للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تجمع صحراء على صحارى، وأصلها عنده "أشايا", فأبدلت الياء واوا١.

وعلى هذا النحو من التحليل للقلب والإعلال في هذه الأمثلة, كان الخليل يحلل تحليلا واسعا عبارات اللغة، كما كان يحلل أدواتها وصيغها اللفظية تحليلا جعله يلتفت فيها إلى النحت, وأن من الممكن أن تكون الكلمة استُخلصت من كلمتين، من ذلك اسم الفعل "هلمّ" فإنه ذهب إلى أنه مركب من "ها" للتنبيه وفعل "لُمّ" أي: لُمَّ بنا، ثم كثر استعمال الصيغة فحذفت الألف من "ها" تخفيفا؛ لأن اللام بعدها وإن كانت متحركة فإنها في حكم الساكنة، وكأنها حذفت لالتقاء الساكنين فصارت "هلم"٢. ومن ذلك تحليله للفظة "مهما" الشرطية, فقد كان يرى أن أصلها "ما" ثم دخلت عليها "ما" التي تدخل على أخواتها الشرطيات مثل أينما، واستُقبح التكرار في "ما ما" فأبدلت الألف الأولى هاء؛ لأنها من مخرجها، وحسن اللفظ بها٣. ومن ذلك "لن" الناصبة للمضارع، فأصلها عنده: "لا أن", فحُذفت الهمزة تخفيفا لكثرة دوران الصيغة في الكلام على نحو حذفها في مثل: "خذ وكل ومر وسل" ثم حذفت الألف لسكونها وسكون النون بعدها، أو بعبارة أخرى: حذفت لالتقاء الساكنين٤. ومن ذلك تحليله لكلمة "ليس" فأصلها عنده: لا أيس، فطرحت الهمزة وألصقت اللام بالياء٥, ومن ذلك كلمة إذن فأصلها عنده إذ أن٦.

وكان يمتاز بحس لغوي دقيق جعله يفقه أسرار العربية ودقائقها في العبارات والألفاظ فقها لعل أحدا من معاصريه لم يبلغه، ويتوقف سيبويه مرارا لينقل عنه مثل "إن هذه العبارة أو هذه الظاهرة تكرهها العرب" أو "إن هذه الصيغة جيدة في لسانهم، أو إنهم يميلون إلى هذا الأداء رغبة في التخفيف". ومن أروع الجوانب التي يتضح فيها ذوقه اللغوي المرهف أحاديثه الكثيرة التي نقلها عنه سيبويه في الإدغام والإعلال ومواضع قلب الواو ياء والياء واوا. ومما يصور مدى حسه اللغوي الحاد ملاحظته حكاية العرب لصوت الجندب بقولهم: "صَرَّ" وحكايتهم لصوت


١ الكتاب ٢/ ٣٧٩, والمنصف ٢/ ٩٤.
٢ الخصائص ٣/ ٣٥.
٣ الكتاب ١/ ٤٣٣.
٤ الكتاب ١/ ٤٠٧, والخصائص ٣/ ١٥١.
٥ انظر مادة ليس في لسان العرب.
٦ همع الهوامع للسيوطي "طبعة الخانجي" ٢/ ٦.

<<  <   >  >>