للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنه لا يحسن ههنا إلا الإضمار، قال الخليل: وهذا يشبه قول من قال، وهو الفرزدق:

فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي ... ولكني زنجي عظيم المشافر

وجوز الخليل في البيت أن يقال: ولكن زنجيا عظيم المشافر بالنصب، على أن يكون خبر لكن محذوفا وتقديره: لا يعرف قرابتي، وشبه ذلك بحذف الخبر في قوله عز وجل: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} أي: طاعة وقول معروف أمثل ... وأما قول الأعشى:

في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أنْ هالك كل من يحفى وينتعل

فإن هذا على إضمار الهاء"١. وكان يذهب إلى أن الحذف في بيت الأخطل:

ولقد أبيت من الفتاة بمنزل ... فأبيت لا حرج ولا محروم

ليس على إضمار أنا مع المرفوعين في الشطر الثاني, أي: أنا لا حرج ولا محروم, وإنما هو على سبيل الحكاية, أي: فأبيت بمنزلة الذي يقال له: لا حرج ولا محروم٢. ومما خرّجه على الحكاية أيضا قولهم: "اضرب أيهم أفضل" بضم أي, كأنهم قالوا: اضرب الذي يقال له: أيهم أفضل٣، وبذلك يكون المفعول به محذوفا. وكان يذهب إلى أن المضاف قد يحذف ويقوم المضاف إليه مقامه، وجعل من ذلك قولهم: "له صوت صوت الحمار", فقد قال: إن كلمة صوت الحمار صفة لصوت بتقدير "مثل" أي: إنها حُذفت وأقيم المضاف إليه مقامها، وأصل التعبير: "له صوت مثل صوت الحمار"٤.

ومما يتصل بالعوامل والمعمولات كثرة تحليله للعبارات, وكثرة تخريجه لها إذا اصطدمت بالقواعد, وكثرة إدلائه بوجوه مختلفة من الإعراب في لفظة واحدة،


١ الكتاب ١/ ٢٨١ وما بعدها.
٢ الكتاب ١/ ٢٥٩, وواضح أنه جعل الجار والمجرور محذوفين هما وما يتبعهما.
٣ الكتاب ١/ ٣٩٩.
٤ الكتاب ١/ ١٨١.

<<  <   >  >>