للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد رأيته أو سمعت به، فإذا قصدوا قصد الشيء بعينه دون غيره وعنوه لم يجعلوه واحدا من أمة, فقد استغنوا عن الألف واللام فمن ثم لم يدخلوهما في هذا "أي: في اسم الإشارة" ولا في النداء، ومما يدلك على أن: يا رجل معرفة, قولك: يا لكاع, تريد: يا لكعاء فصار هذا اسما ... كما صارت حذام ورقاش اسما للمرأة١.

ويتوقف سيبويه في حديثه عن الندبة في مثل: وا زيداه ويا زيداه لينقل عن الخليل أنه لا يصح فيها أن يندب المنكر مثل رجل والمبهم مثل من وهذا مع تعليله لذلك, يقول: "وقال الخليل: إنما قبح وا رجلاه ويا رجلاه؛ لأنك أبهمت. ألا ترى أنك لو قلت: وا هذاه كان قبيحا؛ لأنك إذا ندبت فإنما ينبغي لك أن تتفجع بأعرف الأسماء وأن تخص فلا تبهم؛ لأن الندبة على البيان "أي: بيان الشخص أو الشيء المندوب؛ تفجعا عليه وحزنا" ... وإنما كرهوا ذلك أنه تفاحش عندهم ... أن يتفجعوا على غير معروف "يريد في مثل: وا رجلاه", فكذلك تفاحش عندهم في المبهم "يريد في مثل وا هذاه" لإبهامه؛ لأنك إذا ندبت تخبر أنك قد وقعت في عظيم وأصابك جسيم من الأمر فلا ينبغي لك أن تبهم، وكذلك "وا مَنْ في الداراه" في القبح؛ "لأن من مبهمة" وزعم أنه لا يستقبح: "وا من حفر زمزماه"؛ لأن هذا معروف بعينه، كأن التبيين في الندبة عذر للتفجع، فعلى هذا جرت الندبة في كلام العرب"٢. وكان الخليل لا يجيز العطف على الضمير المرفوع مستترا أو ظاهرا متصلا، فلا يقال: "أفعل وعبد الله" ولا "فعلت وعبد الله", بل لا بد في ذلك من توكيد الضمير أو الإتيان بفاصل مثل: "كنتم أنتم وأصحابكم" و"يكتبونه ومن معهم" و"ما كتبنا ولا زملاؤنا". يقول سيبويه: "وزعم الخليل أن هذا إنما قبح من قبل أن هذا الإضمار يبنى عليه الفعل، فاستقبحوا أن يشرك المظهر مضمرا يغير الفعل عن حاله إذا بعد منه، وإنما حسنت شركته المنصوب "في مثل كلمته ومحمدا"؛ لأنه لا يغير فيه الفعل عن حاله التي كان عليها قبل أن يضمر "أي: إن الضمير المنصوب ليس كالجزء من الفعل بخلاف ضمير الرفع", فأشبه المظهر وصار منفصلا عندهم بمنزلة المظهر إذ كان الفعل لا يتغير عن حاله قبل أن تضمر فيه، وأما فعلت فإنهم قد غيروه عن حاله في الإظهار، وأسكنت فيه اللام، فكرهوا أن يشرك


١ الكتاب ١/ ٣١٠.
٢ الكتاب ١/ ٣٢٤.

<<  <   >  >>