للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المظهر مضمرا يبنى له الفعل غير بنائه في الإظهار حتى صار "أي: ضمير الرفع" كأنه شيء في كلمة لا يفارقها كألف أعطيت، فإن نعتّه "يريد أكّدته" حسُن أن يشركه المظهر، وذلك قولك: "ذهبتَ أنت وزيد", وقال الله عز وجل: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ} و {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} وذلك أنك لما وصفته "يريد: أكدته" حسن الكلام حيث طولته ووكدته. فأنت وأخواتها تقوي المضمر وتصير عوضا من السكون والتغيير ومن ترك العلامة في مثل: ضربَ، وقال الله عز وجل: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا} حسن لمكان لا "يريد: لوجود فاصل". ويمضي سيبويه فيقول: إنه لا يجوز العطف على المضمر المجرور إلا بإعادة الخافض، فلا يجوز: مررت به ومحمد، بل لا بد من أن يقال: مررت به وبمحمد، وعلل لذلك بأن الضمير شبيه بالتنوين؛ لذلك لا يجوز العطف عليه حتى لو أُكِّد، فلا يجوز: مررت به هو ومحمد، وكأن اتصال الضمير المجرور بجارّه أشد من اتصال الفاعل المضمر بفعله. وعقب سيبويه على ذلك بأن هذا قول الخليل١. وقد جعلته هذه الدقة في التعليل يتنبه تنبها واسعا إلى مواقع الكلم في العبارات واستعمالاتها الدقيقة، ونضرب مثلا لذلك تفرقته الدقيقة بين قولك: "هو زيد معروفا" و"هذا عبد الله منطلقا" فمعروفا ومنطلقا كلاهما حال، ولكن الحال الأولى مؤكدة، ولا يأتي وراء هو في الصيغة الأولى إلا مثل هذه الحال المؤكدة مثل "هو الحق بينا ومعلوما" ومن أجل ذلك لا يصح أن تقول: "هو زيد منطلقا"؛ لأن الانطلاق لا يؤكد هوية الشخص وماهيته، فلا يصلح لأن يكون مؤكدا، كما تصلح الصفة العامة التي تفيد مدحا أو تهديدا وما إلى ذلك٢.

وعلى نحو ما تسيل علل الخليل وتعليلاته في كتاب سيبويه تسيل أقيسته، ولا نغلو إذا قلنا: إنها كانت أهم مادة شاد بها بناء النحو الوطيد، ومما يصور قوتها عنده ودقتها حواره مع تلميذه، في رفع المنادى إذا كان مفردا ونصبه إذا كان مضافا أو نكرة غير مقصودة, وجواز نصب نعت المنادى المفرد ورفعه وتحتم النصب لنعت المنادى المضاف، وهو يجري على هذا النمط٣:


١ الكتاب ١/ ٣٨٩.
٢ الكتاب ١/ ٢٥٦ وما بعدها.
٣ الكتاب ١/ ٣٠٣.

<<  <   >  >>