للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المنادى المضموم لفظا النصب، ولك أن تقول: إنه نعت مقطوع بتقدير أعني. ويجوز في هذا النعت الرفع باعتبار لفظ المنادى، وساغ ذلك لاطراد الرفع في المنادى المفرد اطراده في المبتدأ والفاعل. أما إذا وُصف المنادى المفرد بنعت مضاف, فإنه يتحتم فيه النصب ولا يجوز الرفع؛ لأنه بمنزلته لو كان منادى، والمنادى المضاف حقه النصب، فلا يجوز فيه إلا اعتبار المحل المنصوب. ويلاحظ الخليل ملاحظة دقيقة في كلمة أمس, فإن أصلها النصب، وهي تبنى على الكسر إذا كانت مفردة، فإذا أضيفت رُدَّت إلى أصلها من النصب الذي يجري في الظروف.

وكان يبني القياس على الكثرة المطردة من كلام العرب، مع نصه دائما على ما يخالفه، ومحاولته في أكثر الأحيان أن يجد له تأويلا، من ذلك أنه كان يرى أن القياس في عطف المعرف بالألف واللام على المنادى المرفوع أن يكون مرفوعا؛ لأنه لو كان هو المنادى لتقدمته أي, مثل: يا أيها الحارث ورُفع معها صفة لها؛ لأنها مبهمة يلزمها التفسير، فصارت هي والحارث بمنزلة اسم واحد كأنك قلت: يا حارث١، وبذلك يكون القياس في مثل: يا زيدُ والحارثُ الضم، يقول سيبويه: "قال الخليل: من قال: يا زيد والنضرَ فنصب, فإنما نصب لأن هذا كان من المواضع التي يُرَدّ فيها الشيء إلى أصله "أي: إذا كان المعطوف مضافا" فأما العرب فأكثر ما رأيناهم يقولون: يا زيد والنضرُ، وقرأ الأعرج: "يا جبال أوبي معه وَالطَّيْرُ" فرفع، ويقولون: يا عمرو والحارث، وقال الخليل: هو القياس كأنه قال: ويا حارث"٢. ومعروف أن الفعل لا يدخله التصغير، ولكن جاء عن العرب في فعل التعجب: "ما أُمَيْلحه" يقول سيبويه: "وسألته عن قول العرب: ما أميلحه، فقال: لم يكن ينبغي أن يكون في القياس لأن الفعل لا يحقر وإنما تحقر الأسماء؛ لأنها توصف بما يعظم ويهون، والأفعال لا توصف، فكرهوا أن تكون الأفعال كالأسماء لمخالفتها إياها في أشياء كثيرة، ولكنهم حقروا هذا اللفظ, وإنما يعنون الذي تصفه بالمِلْح، كأنك قلت: مُلَيِّح, شبهوه بالشيء الذي تلفظ به وأنت تعني شيئا آخر نحو قولك: يطؤهم الطريق


١ الكتاب ١/ ٣٠٦.
٢ الكتاب ١/ ٣٠٥.

<<  <   >  >>