للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصِيدَ عليه يومان، ونحو هذا كثير في الكلام. وليس شيء من الفعل ولا شيء مما سمي به الفعل يحقَّر إلا هذا وحده"١. ووجه المغايرة في قولهم: "يطؤهم الطريق" أن أصلها: يطؤهم أهل الطريق أي: إن بيوتهم على الطريق فمن جاز فيه رآهم، وأصل "صيد عليه يومان": صيد الصيد في يومين، فحذف "الصيد" وأقيم "يومين" مقامه.

وعلى هذا النحو كان يسجل القياس والشاذ عليه، محاولا دائما أن يجد مخرجا لما شذ على الأقيسة، بل كثيرا ما كان يستمد من ذهنه الخصب قياسا له، من ذلك جمع وجوه مع ذكر شخصين، يقول سيبويه: "سألت الخليل عن "قولهم": ما أحسن وجوههما، فقال: لأن الاثنين جميع، وهذا بمنزلة قول الاثنين: نحن فعلنا"٢. وواضح أنه قاس جمع الوجوه مع أنهما لاثنين على الضمير الذي يأتي للاثنين والجماعة. ومن ذلك ما رواه ابن جني من أنه سُئل عمن يقولون من العرب: "مررت بأخواك وضربت أخواك" معاملين الأسماء المثناة معاملة الأسماء المقصورة، فقال: هؤلاء قولهم على قياس الذين قالوا في ييئس: ياءس، أبدلوا الياء لانفتاح ما قبلها، وقال: ومثله قول العرب من أهل الحجاز: "يا تزن وهم يا تعدون، فروا من يوتزن ويوتعدون"٣. ومعنى ذلك أنه قاس النطق بالألف في المثنى في موضعي الجر والنصب بالياء على لغة من يبدلون الياء ألفا في بعض المواضع وكذلك من يبدلون الواو ألفا؛ لغرض الخفة والسهولة، وقد أخرج القياس مخرج التعليل.

ومر بنا أنه في المنهج الذي رسم به العروض والمنهج الذي وضعه لمعجم العين, لاحظ في الأول النص على الأوزان المهملة كما لاحظ في الثاني النص على الكلمات غير المستعملة التي لم تجر على لسان العرب، وهذا نفسه يلاحَظ في بنائه للنحو وأقيسته فقد كان ينص على الشاذ كما أسلفنا آنفا، وكان ينص على المهمل من أساليب العرب، مما لا يدخل في أقيسة لغتهم، ومر بنا أنه كان ينكر مثل: "هو زيد منطلقًا" ويحمل كتاب سيبويه عنه مادة واسعة من مثل هذا الأسلوب الذي لم يسمع عمن يوثق بعربيتهم، وهي مادة غزيرة, ولكن يكفي أن نمثل لها، فمن ذلك


١ الكتاب ٢/ ١٣٥.
٢ الكتاب ١/ ٢٤١.
٣ الخصائص ٢/ ١٤, والمنصف ١/ ٢٠٣.

<<  <   >  >>