للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن نراه يعرض للمندوب الموصوف في مثل "وا زيدُ الشاعرُ" فيقول: إنه لا يصح أن يقال: الشاعراه؛ لأن الشاعر ليس بمنادى، ولو جاز ذلك لجاز أن تقول: "وا زيدا أنت الفارس البطلاه"؛ لأن هذا غير نداء كما أن ذاك غير نداء, يقول: "وليس هذا مثل: وا أمير المؤمنيناه" ولا مثل: "وا عبدَ قيساه"؛ لأن المضاف والمضاف إليه بمنزلة اسم واحد منفرد، والمضاف إليه هو تمام الاسم، ولذلك تلحقه ألف الندبة وهاؤها١. ومن ذلك نصه على أن كلمة أُخَر وحدها هي التي تمنع من الصرف للوصفية والعدل دون أخواتها مثل الطُّوَل والوُسَط والكبر والصغر؛ لأنهن لا يكن صفة إلا وفيهن الألف واللام، بخلاف أخر فإنها تجيء صفة بدونهما، ونراه ينص على أنه لا يقال: نسوة صُغر ولا هؤلاء نسوة وسط ولا تقول: هؤلاء قوم أصاغر، فكل ذلك لم يأت في اللغة، أما أخر فقد خالفت هذا الأصل وجاءت صفة للمنكر غير مقترنة بالألف واللام، ومن ثم تركوا صرفها٢، ومن أجل ذلك قال النحاة بعده: إنها منعت من الصرف؛ لأنها معدولة عن الآخر ذات الألف واللام.

وفي رأينا أن الخليل وتلميذه سيبويه هما اللذان فتحا باب التمارين غير العملية على مصاريعه، حيث نرى سيبويه يتوقف في كتابه مرارا ليسأله أستاذه عن تطبيق قاعدة في مثال لم يأت عن العرب. وعمم النحاة ذلك فيما بعد واتسعوا فيه إظهارا لمهارتهم وقد يكون بعض ذلك لمحاولة تدريب ناشئة النحاة على الدقة في التطبيق، فمن ذلك ما ذكره سيبويه من أنه سأل الخليل عن رجل سمي "أولو" من قوله عز وجل: {نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} أو سمي "ذوو" من قولهم: ذوو عزة، وكيف يجري إعرابهما حسب مواقع الكلام، فقال: أقول: "هذا ذَوُون، وهذا أُولون" لأني لم أضف "أي: لم أتبعهما المضاف إليه" وإنما ذهبت النون في الإضافة٣. ومعروف أن كلمة قاضٍ تنون مصروفة هي وما على مثالها، ويقول سيبويه: "وسألته عن رجل يسمى "يرمي أو أرمي" فقال: أنونه؛ لأنه إذا صار اسما فهو بمنزلة قاضٍ إذا كان اسم امرأة"٤ وكأن مجيئه


١ الكتاب ١/ ٣٢٣.
٢ الكتاب ٢/ ١٤.
٣ الكتاب ٢/ ٤٢.
٤ الكتاب ٢/ ٥٨.

<<  <   >  >>