للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عادة يمد صوته، وكأنما جعلوا المدة التي تلحق المنادى المرخم بدلا منها١.

ويعلل لجزم المضارع في جواب الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض بأنهم جعلوه معلقا بما سبقه غير مستغن عنه، بالضبط كما يكون الشرط، فقولك: ائتني آتك هو كقولك: إن تأتني آتك، ولذلك جزموه كما جزموا جواب الشرط، وكأن هناك شرطا مقدرا٢. ويعلل لحذف الفعل في التحذير مع العطف أو كما يسميه هنا التثنية بقوله: "يقول: رأسك والحائط وهو يحذره، كأنه قال: اتق رأسك والحائط، وإنما حذفوا الفعل في هذه الأشياء حين ثنوا؛ لكثرتها في كلامهم واستغناء بما يرون من الحال, وبما جرى من الذكر"٣.

وعلى نحو ما يتسع سيبويه بالتعليل في النحو يتسع به في الصرف، وخاصة في باب القلب والإعلال، يقول في "أيْنق" جمع ناقة: كان القياس فيها أن تجمع على: أنوق، وإما أن يكونوا قدموا الواو على النون وأبدلوها ياء؛ وبذلك حدث فيها قلب وإعلال، وزنتها على هذا التحول: "أعفل", وإما أن يكونوا قد حذفوا الواو من "أنوق" وجعلوا الياء عوضا لها، وزنتها على هذا الأساس "أيفل"٤, ويذهب في لفظة "اطمأنّ" إلى أن أصلها: "طأمن" وحدث بها قلب, أو بعبارة أخرى: تقديم الميم على الهمزة٥. ويقول: إن قياس مصدر فعّل المضاعف الفِعّال، ولكن العرب عدلت عن ذلك البناء إلى التفعيل مثل: قطّع تقطيعا، ويعلل لذلك بقوله: "جعلوا التاء التي في أوله بدلا من العين الزائدة في فعّلت، وجعلوا الياء بمنزلة ألف الإفعال "مصدر أفعل مثل إكرام" فغيروا أوله كما غيروا آخره"٦.

وطبيعي أن يكثر القياس في كتاب سيبويه كثرة مفرطة؛ لأنه الأساس الذي يقوم عليه وضع القواعد النحوية والصرفية واطرادها، وهو يعتمد عنده في أكثر الأمر على الشائع في الاستعمال على ألسنة العرب، كما يقوم على المشابهة بين استعمالاتهم في الأبنية والعبارات المختلفة، فمن ذلك أن نراه يقيس حذف العائد في النعت على حذفه في الصلة, متمثلا بقول جرير:


١ الكتاب ١/ ٣٣١.
٢ الكتاب ١/ ٤٤٩.
٣ الكتاب ١/ ١٣٨.
٤ الكتاب ٢/ ١٢٩.
٥ الكتاب ٢/ ١٣٠، ٣٨٠.
٦ الكتاب ٢/ ٢٤٣.

<<  <   >  >>