للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكل هذه التعليلات في الصفحات الأولى من الكتاب، إذ لم نتجاوز حتى الآن الصفحة السابعة فيه، وبذلك ثبّت سيبويه جذور التعليل في النحو والصرف ومدها في جميع قواعدهما ومسائلهما، فليس هناك شيء لا يعلل، بل لكل شيء علته يمسك بها في يمينه. وتنتشر هذه التعليلات في أكثر صفحات الكتاب، ويكفي أن نذكر منها أطرافا، فمن ذلك تعليله لاختصاص الاستفهام بالأفعال وأن الأصل فيها أن تدخل عليها لا على الأسماء لمشابهتها حروف الجزاء أو الشرط، ولأن جوابها يجزم أحيانا كما يجزم الأمر، وأدوات الشرط إنما يليها دائما الأفعال، يقول: "وحروف الاستفهام كذلك بُنيت للفعل إلا أنهم قد توسعوا فيها فابتدءوا بعدها الأسماء، والأصل غير ذلك, ألا ترى أنهم يقولون: هل زيد منطلق؟ وهل زيد في الدار؟ وكيف زيد آخذ؟ فإن قلت: كيف زيدا رأيت؟ وهل زيد يذهب؟ قبُح "لأنه ينبغي تقديم الفعل متى كان موجودا مع أداة الاستفهام" ولم يجز إلا في شعر؛ لأنه لما اجتمع الفعل والاسم حملوه على الأصل ... وإنما فعلوا هذا بالاستفهام لأنه كالأمر في أنه غير واجب, أنه يريد به من المخاطب أمرا لم يستقر عند السائل, ألا ترى أن جوابه جزم "أي: كما يكون جواب الأمر حين يستخدم حرف جزاء وشرطه"؛ فلهذا اختير النصب وكرهوا تقديم الاسم "أي: في مثل: هل زيدا أنت؟ " لأنها حروف ضارعت بما بعدها ما بعد حروف الجزاء، وجوابها كجوابه ... إذا قلت: أين عبدَ الله آته"١ أي: كما تقول: ائتني آتك. ومن أجل ذلك كله اختار في باب الاشتغال كما مر بنا نصب الاسم المشغول عنه بعد أدوات الاستفهام، حتى يكون بعدها فعل في التقدير. ويعلل لقصور الصفة المشبهة عن اسم الفاعل في قوة العمل بأنها ليست في معنى الفعل المضارع, لا في زمنه ولا في بنائه، إذ تدل على الثبوت، وهي لا تقابله في الحركات والسكنات مثل اسم الفاعل؛ ولذلك استحسن أن يكون ما بعدها معرفا باللام والألف, ومضافا إليها مثل: محمد حسن الوجه، حتى يبعد شبهها عن اسم الفاعل٢ الذي يجري مجرى المضارع في العمل. ويعلل لحذف التاء كثيرا في ترخيم المنادى بأنها تنقلب هاء في الوقف؛ ولذلك كان حذفها أولى، وأيضا فإن المنادي بمثل: "يا ضباعا" بدلا من: يا ضباعة


١ الكتاب ١/ ٥١.
٢ الكتاب ١/ ٩٩.

<<  <   >  >>