للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمَّ انْصَرف. فَلَمَّا نزل الصَّفْرَاء قسم بهَا الْغَنَائِم كَمَا أَمر اللَّه عز وَجل. وَضرب بهَا عنق النَّضر بْن الْحَارِث بْن عَلْقَمَة بْن كلدة الْعَبدَرِي، وَهُوَ الَّذِي جَاءَت١ ابْنَته قتيلة إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنشدته:

يَا رَاكِبًا إِن الأثيل مَظَنَّة ... من صبح خَامِسَة وَأَنت موفق٢

أبلغ بِهِ مَيتا بِأَن تَحِيَّة ... مَا إِن تزَال بهَا النجائب تخفق٣

مني إِلَيْهِ٤ وعبرة مسفوحة ... جَادَتْ بواكفها وَأُخْرَى تخنق٥

ظلت سيوف بني أَبِيه تنوشه ... لله أَرْحَام هُنَاكَ تشقق٦

أمحمد يَا خير ضنء كَرِيمَة ... من قَومهَا والفحل فَحل معرق٧

مَا كَانَ ضرك لَو مننت وَرُبمَا ... مَنَّ الْفَتى وَهُوَ المغيظ المحنق

وَالنضْر أقرب من قتلت قرَابَة ... وأحقهم إِن كَانَ عتق يعْتق

فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا إِنِّي لَوْ سَمِعْتُ هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمْ أَقْتُلْهُ"، وَهَذَا لَيْسَ مَعْنَاهُ النَّدَم، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَقُول وَلَا يفعل إِلَّا حَقًا، لَكِن مَعْنَاهُ: لَو شفعت عِنْدِي بِهَذَا القَوْل لقبلت شَفَاعَتهَا. وَفِيه تَنْبِيه على حق الشَّفَاعَة والضراعة. وَلَا سِيمَا الاستعطاف بالشعر، فَإِن مَكَارِم الْأَخْلَاق تَقْتَضِي إجَازَة الشَّاعِر وتبليغه قَصده. وَالله أعلم.

ثمَّ لما نزل عرق٨ الظبية ضرب عنق بْن أبي معيط.

قَالَ أَبُو عمر: روى عَن عبَادَة بْن الصَّامِت قَالَ: خرج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بدر، فَلَقُوا الْعَدو، فَلَمَّا هَزَمَهُمْ الله اتبعتهم طَائِفَة من


١ الْمَشْهُور أَنَّهَا كتبت للرسول بِهَذِهِ القصيدة حِين جاءها نعي أَبِيهَا. وَانْظُر الِاسْتِيعَاب ص٧٧٧.
٢ الأثيل: مَوضِع قرب الْمَدِينَة.
٣ النجائب: الْإِبِل الْكَرِيمَة.
٤ فِي الأَصْل: إِلَيْك، وَهَكَذَا: إِلَيْهِ فِي المصادر الْأُخْرَى.
٥ جَادَتْ: من الْجُود وَهُوَ الْمَطَر. وواكف الدمع: سائله.
٦ تنوشه: تتناوله.
٧ الضنء: الأَصْل، معرق: كريم الأَصْل.
٨ عرق الظبية: مَوضِع قرب الروحاء.

<<  <   >  >>