للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَاب فِي قسْمَة غَنَائِم ١ حنين وَمَا جرى فِيهَا

ثمَّ انْصَرف رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْجِعِرَّانَة: مَوضِع قريب من حنين. وَكَانَ قد اسْتَأْنَى٢ بقسمة الْغَنَائِم رَجَاء أَن يسلمُوا ويرجعوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا قسمت الْغَنَائِم هُنَالك أَتَاهُ وَفد هوَازن مُسلمين راغبين فِي الْعَطف عَلَيْهِم وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم، فَقَالَ لَهُم: "قد كنت اسْتَأْنَيْت بكم وَقد وَقعت المقاسم، وَعِنْدِي مَا ترَوْنَ ٣ فَاخْتَارُوا: إِمَّا ذَرَارِيكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ وَإِمَّا أَمْوَالكُم" فَاخْتَارُوا الْعِيَال والذرية وَقَالُوا: لَا نعدل بالأنساب شَيْئا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذا صليت الظّهْر فتكلموا واطلبوا حَتَّى أكلم النَّاس فِي أَمركُم". فَلَمَّا صلى الظّهْر تكلمُوا، وَقَالُوا: نستشفع برَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الْمُسلمين. فَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: "أما مَا كَانَ لي ولبني عَبْد الْمطلب وَبني هَاشم فَهُوَ لكم" وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار: أما مَا كَانَ لنا فَهُوَ لرَسُول اللَّه عَلَيْهِ السَّلَام، وَامْتنع الْأَقْرَع بْن حَابِس وعيينة بْن حصن فِي قومهما٤ أَن يردوا عَلَيْهِمَا شَيْئا مِمَّا وَقع لَهُم فِي سِهَامهمْ. وَامْتنع الْعَبَّاس بْن مرداس السّلمِيّ وطمع أَن يساعده قومه كَمَا ساعد الْأَقْرَع بْن حَابِس وعيينة قومهما فَأَبت بَنو سليم وَقَالُوا: بلَى مَا كَانَ لنا فَهُوَ لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُول اللَّه عَلَيْهِ السَّلَام: "من ضن مِنْكُم بِمَا فِي يَدَيْهِ فَإنَّا نعوضه مِنْهُ".

فَرد عَلَيْهِم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُمْ وأبناءهم وَعوض من لم تطب نَفسه بترك نصِيبه أعواضا رَضوا بهَا. وَكَانَ عدد سبي هوَازن سِتَّة آلَاف إِنْسَان فيهم الشيماء أُخْت


١ انْظُر فِي غَنَائِم حنين وعطايا الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم ابْن هِشَام ٤/ ١٣٠ وَابْن سعد ج٢ ق١ ص١١٠ والطبري ٣/ ٨٦ وَابْن حزم ص٢٤٥ وَابْن سيد النَّاس ٢/ ١٩٣ وَابْن كثير ٤/ ٣٥٢ والنويري ١٧/ ٣٣٩.
٢ استأنى: انْتظر.
٣ مَا ترَوْنَ: أَي مَا سأعرضه عَلَيْكُم.
٤ قوم الْأَقْرَع: تَمِيم، وَقوم عُيَيْنَة: فَزَارَة.

<<  <   >  >>