كتاب الدرر في اختصار المغازي والسير

باب بعث حمزة وبعث عبيدة - ص: 69

بَاب بعث حَمْزَة وَبعث عُبَيْدَة ١

وَلما انْصَرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غَزْوَة الْأَبْوَاء أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّة صفر وربيع الأول وصدرا من ربيع الآخر. وَفِي هَذِه الْمدَّة بعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمه حَمْزَة بْن عَبْد الْمطلب فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا من الْمُهَاجِرين، لَيْسَ فيهم من الْأَنْصَار أحد، إِلَى سيف٢ الْبَحْر من نَاحيَة الْعيص٣، فلقي أَبَا جهل فِي ثَلَاثمِائَة٤ رَاكب من كفار أهل مَكَّة، فحجز بَينهم مجدي بْن عَمْرو الْجُهَنِيّ. وتوادع الْفَرِيقَانِ على يَدَيْهِ، فَلم يكن بَينهمَا قتال.

وَبعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِه الْمدَّة أَيْضا عُبَيْدَة بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمطلب بْن عَبْد منَاف فِي سِتِّينَ رَاكِبًا من الْمُهَاجِرين، أَو ثَمَانِينَ، لَيْسَ فيهم من الْأَنْصَار أحد، فَنَهَضَ حَتَّى بلغ أَحيَاء٥ وَهِي مَاء بالحجاز بِأَسْفَل ثنية الْمرة. فَتلقى بهَا جمعا من قُرَيْش عَلَيْهِم عِكْرِمَة بْن أبي جهل، وَقيل: كَانَ عَلَيْهِم مكرز بْن أبي حَفْص. فَلم يكن بَينهم قتال. إِلَّا أَن سعد بْن أبي وَقاص وَكَانَ فِي ذَلِك الْبَعْث رَمَى بِسَهْم فَكَانَ أول سهم رُمِيَ بِهِ فِي سَبِيل اللَّه. وفر من الْكفَّار يَوْمئِذٍ إِلَى الْمُسلمين الْمِقْدَاد بْن عَمْرو، وَعقبَة بْن غَزوَان، وَكَانَا قديمي الْإِسْلَام إِلَّا أَنَّهُمَا لم يجدا السَّبِيل إِلَى اللحاق بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى يَوْمئِذٍ.

وَاخْتلف أهل السّير فِي أَي البعثين كَانَ أول: أبْعث حَمْزَة أَو بعث عُبَيْدَة، فَقَالَ ابْن إِسْحَاق: أول راية عقدهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأول سَرِيَّة بعثها عُبَيْدَة بْن الْحَارِث. قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَبَعض النَّاس يَزْعمُونَ أَن راية حَمْزَة أول راية عقدهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْمَدَائِنِي: أول سَرِيَّة بعثها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَة بْن عَبْد الْمطلب فِي ربيع الأول من سنة اثْنَتَيْنِ إِلَى سيف الْبَحْر من أَرض جُهَيْنَة.

---

١ انْظُر فِي البعثين ابْن هِشَام ٢/ ٢٤١ وَمَا بعْدهَا والطبري ٢/ ٤٠٤ وَابْن سعد ج٢ ق١ ص٢ وَقد قدمهَا على غَزْوَة الْأَبْوَاء، وَانْظُر أَيْضا ابْن حزم ص١٠٠، وَابْن سيد النَّاس ١/ ٢٢٤ وَابْن كثير ٣/ ٢٣٤ وَهُوَ مِمَّن قدمهَا على غَزْوَة الْأَبْوَاء وَكَذَلِكَ صنع النويري ١٧/ ٢ وَقد قيل إِن سَرِيَّة حَمْزَة كَانَت فِي رَمَضَان، وتلتها سَرِيَّة عُبَيْدَة فِي شَوَّال من السّنة الأولى لِلْهِجْرَةِ.
٢ سيف: سَاحل.
٣ الْعيص: مَوضِع بساحل الْبَحْر فِي نَاحيَة ذِي الْمَرْوَة.
٤ كَانَ أَبُو جهل فِي قافلة لقريش من قوافلها التجارية.
٥ هَكَذَا فِي ابْن سعد وَغَيره من المراجع، وَفِي الأَصْل ور: أبنى. وَأَحْيَاء: مَاء فِي بطن رابغ على عشرَة أَمْيَال من الْجحْفَة.