للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غَزْوَة ١ تَبُوك

ثمَّ أَقَامَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بعد انْصِرَافه من حِصَار الطَّائِف ذَا الْحجَّة وَالْمحرم وصفرا وربيعا الأول وربيعا الآخر وجمادى الأول وجمادي الْآخِرَة. وَخرج فِي رَجَب من سنة تسع بِالْمُسْلِمين إِلَى غَزْوَة الرّوم، وَهِي آخر غزَاة غَزَاهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفسِهِ. وَكَانَ خُرُوجه إِلَى غزوته تِلْكَ فِي حر شَدِيد [وَحين٢ طَابَ] أول الثَّمر وَفِي عَام جَدب.

وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يكَاد يخرج غازيا إِلَّا وَرَّى٣ بِغَيْرِهِ إِلَّا غَزْوَة تَبُوك، فَإِنَّهُ بَينهَا للنَّاس لبعد الْمسَافَة وَنَفَقَة المَال والشُّقَّةِ وَقُوَّة الْعَدو الْمَقْصُود إِلَيْهِ. فَتَأَخر الْجد بْن قيس من بني سَلمَة، وَكَانَ مُتَّهمًا بالنفاق فَاسْتَأْذن رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَقَاء وَهُوَ غَنِي قوي فَأذن لَهُ، وَأعْرض عَنهُ فَنزلت فِيهِ٤: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّم لمحيطة بالكافرين} . وَكَانَ نفر من الْمُنَافِقين٥ يَجْتَمعُونَ فِي بَيت سويلم الْيَهُودِيّ عِنْد جاسوم٦ يثبطون النَّاس عَن الْغَزْو فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَة بْن عبيد اللَّه فِي نفر، وَأمرهمْ أَن يحرقوا عَلَيْهِم الْبَيْت، فَفعل ذَلِك طَلْحَة، فاقتحم الضَّحَّاك بْن خَليفَة، وَكَانَ مَعَهم فِي الْبَيْت، جِدَار الدَّار، فَوَقع، فَانْكَسَرت رجله. وفر ابْن أُبَيْرِق وَكَانَ مَعَهم.

وَأنْفق نَاس من الْمُسلمين واحتسبوا٧، وَأنْفق عُثْمَان رَضِي اللَّه عَنهُ نَفَقَة عَظِيمَة جهز بهَا جمَاعَة من المعسرين فِي تِلْكَ الْغَزْوَة. وَرُوِيَ أَنه حمل فِي تِلْكَ الْغُزَاة على تِسْعمائَة


١ انْظُر فِي غَزْوَة تَبُوك ابْن هِشَام ٤/ ١٥٩ والواقدي ٤٢٥ وَابْن سعد ج٢ ق١ ص١١٨ وَالْبُخَارِيّ ٦/ ٢ والطبري ٣/ ١٠٠ وَابْن حزم ص٢٤٩ وَابْن سيد النَّاس ٢/ ٢١٥ وَابْن كثير ٥/ ٢ والنويري ١٧/ ٢٥٢.
٢ زِيَادَة من ر وَابْن هِشَام وَغَيره، أَي أَن الْوَقْت كَانَ شَدِيد الْحَرَارَة وَكَانَ النَّاس يحبونَ الْمقَام فِي ثمارهم وظلالهم.
٣ ورى: كنى.
٤ هَكَذَا فِي ر وَفِي الأَصْل: فيهم.
٥ هَكَذَا فِي ر وَابْن هِشَام وَغَيره، وَفِي الأَصْل: الْمُسلمين.
٦ جاسوم: بِئْر كَانَت للهيثم بن التيهَان بِالْمَدِينَةِ.
٧ احتسبوا: جعلُوا مَا أنفقوه حسبَة لله يطْلبُونَ بِهِ الْأجر وَالثَّوَاب.

<<  <   >  >>