للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حجَّة ١ أبي بكر الصّديق رَضِي اللَّه عَنهُ سنة تسع

وَأمر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بكر بِالْخرُوجِ إِلَى الْحَج وإقامته للنَّاس، فَخرج أَبُو بكر لذَلِك، وَنزل صدر٣ سُورَة بَرَاءَة بعده. فَقيل لَهُ: يَا رَسُول اللَّه لَو بعثت بهَا إِلَى أبي بكر يقْرؤهَا على النَّاس فِي الْمَوْسِم؟ فَقَالَ: "إِنَّه لَا يُؤَدِّيهَا عني إِلَّا رجل من أهل بَيْتِي". ثمَّ دَعَا عليا، فَقَالَ لَهُ: "اخْرُج بِهَذِهِ الْقُصَّةِ من صدر بَرَاءَة، وَأَذِّنْ بهَا فِي النَّاس يَوْم النَّحْر إِذا اجْتَمعُوا بمنى". وَأمره بِمَا يُنَادي٤ بِهِ فِي الْمَوْسِم فَخرج على نَاقَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العضباء، حَتَّى أدْرك أَبَا بكر بِالطَّرِيقِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر بِمَا رَآهُ: أَمِيرا٥ أَو مَأْمُورا؟ قَالَ: بل مَأْمُورا.

ثمَّ نهضا، فَأَقَامَ أَبُو بكر للنَّاس الْحَج سنة تسع على مَنَازِلهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة. وَقد قيل: إِن حجَّة أبي بكر وَقعت حِينَئِذٍ فِي ذِي الْقعدَة على مَا كَانُوا عَلَيْهِ من


١ انْظُر فِي حجَّة أبي بكر بِالنَّاسِ سنة تسع ابْن هِشَام ٤/ ١٨٨ وَابْن سعد ج٢ ق١ ص١٢١ وتاريخ الطَّبَرِيّ ٣/ ١٢٢ وَالْبُخَارِيّ ٥/ ١٦٧ وَابْن حزم ص٢٥٨ وَابْن سيد النَّاس ٢/ ٢٣١ وَابْن كثير ٥/ ٣٦.
٢ قَالَ ابْن سعد: إِنَّه خرج من الْمَدِينَة فِي ثَلَاثمِائَة رجل وَبعث مَعَه الرَّسُول بِعشْرين بَدَنَة وسَاق أَبُو بكر خمس بدنات.
٣ وَفِيه بَرَاءَة من عهد كل مُشْرك لم يسلم أَن يدْخل الْمَسْجِد الْحَرَام بعد هَذَا الْعَام التَّاسِع لِلْهِجْرَةِ وَبَيَان لمُدَّة مَضْرُوبَة هِيَ أَرْبَعَة أشهر حَتَّى يرجع كل قوم إِلَى مأمنهم أَو بِلَادهمْ. ثمَّ لَا يقبل مِنْهُم بعد ذَلِك إِلَّا الْإِسْلَام طَوْعًا أَو كرها.
وسرعان مَا دخل فِي دين الله من كَانَ لَا يزَال مُشْركًا. وسيوضح ابْن عبد الْبر ذَلِك عَمَّا قَلِيل.
٤ فِي ابْن هِشَام أَن عليا كَانَ يُنَادي فِي النَّاس: لَا يدْخل الْجنَّة كَافِر وَلَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان. وَقد كره الرَّسُول أَن يحجّ فِي هَذَا الْعَام، وَلَا يزَال مشركون عُرَاة يشركُونَ الْمُسلمين فِي حجهم، وَسَيذكر ابْن عبد الْبر ذَلِك.
٥ يُرِيد أَبُو بكر: هَل اسْتعْمل الرَّسُول عليا أَمِيرا على الْحَج أَو أَنه جَاءَ لغَرَض آخر. وَذكر لَهُ عَليّ مَا جَاءَ لَهُ من تِلَاوَة صدر سُورَة بَرَاءَة على النَّاس فِي الْحَج.

<<  <   >  >>