للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِسْلَام ١ ثَقِيف

وَلما كَانَ فِي رَمَضَان سنة تسع من الْهِجْرَة منصرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تَبُوك أَتَاهُ وَفد ثفيف. وَقد كَانَ عُرْوَة بْن مَسْعُود الثَّقَفِيّ لحق برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِين انْصِرَافه من حِصَار الطَّائِف، فأدركه قبل أَن يدْخل الْمَدِينَة، فَأسلم. وَسَأَلَهُ أَن يرجع إِلَى قومه بِالْإِسْلَامِ، وَكَانَ سيد قومه ثَقِيف، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ". وَعرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امتناعهم٢ ونخوتهم، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَحَبُّ إِلَيْهِم من أبكارهم٣ ووثق بمكانه مِنْهُم، فَانْصَرف إِلَيْهِم ودعاهم إِلَى الْإِسْلَام وَأخْبرهمْ أَنه قد أسلم. فَرَمَوْهُ بِالنَّبلِ، فَأَصَابَهُ سهم، فَقتله. فَزَعَمت بَنو مَالك أَنه قَتله رجل مِنْهُم، فَقيل لَهُ: مَا ترى فِي دمك؟ فَقَالَ: كَرَامَة أكرمني اللَّه بهَا، وَشَهَادَة سَاقهَا إِلَيّ، فَلَيْسَ فِي إِلَّا مَا فِي الشُّهَدَاء الَّذين قتلوا مَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أَن يدْخل٤ إِلَيْكُم. وَأوصى أَن يدْفن مَعَهم. فَهُوَ مدفون خَارج الطَّائِف مَعَ الشُّهَدَاء وَذكروا أَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: $"مَثَلُهُ فِي قومه مَثَلُ صَاحب ياسين٥ فِي قومه".

ثمَّ إِن ثقيفا رَأَوْا أَن لَا طَاقَة لَهُم بِمَا هم فِيهِ من خلاف جَمِيع الْعَرَب ومغاورتهم لَهُم والتضييق عَلَيْهِم، فَاجْتمعُوا على أَن يرسلوا من أنفسهم رَسُولا، كَمَا أرْسلُوا عُرْوَة، فَكَلَّمُوا عبد يَا ليل بْن عَمْرو بْن عُمَيْر، وَكَانَ فِي سنّ عُرْوَة بْن مَسْعُود، فِي ذَلِك، فَأبى أَن يفعل، وخشي أَن يُصْنَعَ بِهِ مَا صنع بِعُرْوَة بْن مَسْعُود، وَقَالَ: لست فَاعِلا إِلَّا أَن تُرْسِلُوا معي رجَالًا، فَأَجْمعُوا على أَن يبعثوا مَعَه رجلَيْنِ من الأحلاف وَثَلَاثَة من بني مَالك فَيَكُونُوا سِتَّة. فبعثوا مَعَ عبد يَا ليل: الحكم بْن عَمْرو بْن وهب بن معتب، وشرحبيل بن


١ انْظُر فِي إِسْلَام ثَقِيف ابْن هِشَام ٤/ ١٨٢ وَابْن سعد ج١ ق ٢ ص٥٢ وتاريخ الطَّبَرِيّ ٣/ ٩٦ وَابْن حزم ص٢٥٥ وَابْن سيد النَّاس ٢/ ٢٢٨ وَابْن كثير ٥/ ٢٩.
٢ فِي ابْن هِشَام: نخوة الِامْتِنَاع الَّذِي كَانَ مِنْهُم.
٣ قَالَ ابْن هِشَام: وَيُقَال من أَبْصَارهم.
٤ فِي ابْن هِشَام: قبل أَن يرتحل عَنْكُم.
٥ ياسين، أَي سُورَة ياسين.

<<  <   >  >>