مؤلف هَذِه السِّيرَة النَّبَوِيَّة هُوَ أَبُو عمر يُوسُف١ بْن عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْبر بن عَاصِم النمري، ولد بقرطبة فِي يَوْم الْجُمُعَة لخمس بَقينَ من ربيع الأول سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلاثمائة، وَنَشَأ فِي بَيت علم، إِذْ كَانَ أَبوهُ من فُقَهَاء قرطبة ومحدثيها، وَقد وَجهه مُنْذُ نعومة أَظْفَاره إِلَى الدراسات الدِّينِيَّة، وَتُوفِّي وَابْنه فِي الثَّالِثَة عشرَة من عمره، فدأب على الدَّرْس من بعده وَالسَّمَاع من جلة الْعلمَاء أَمْثَال أبي عمر المكوى، وَابْن الفرضي، وَعبد الْوَارِث بن سُفْيَان، وَخلف بن قَاسم، وَأبي مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن عبد الْمُؤمن، وَسَعِيد بن نصر، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَان، وَأَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن التاهرتي، وَأحمد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمد بن الجسور، وَأبي عمر الْبَاجِيّ، وَغَيرهم من أَعْلَام الْفِقْه والْحَدِيث والتاريخ والمغازي وَالْأَخْبَار والأنساب.
وَمَا نكاد نتقدم فِي الْقرن الْخَامِس الهجري حَتَّى يلمع اسْمه بَين نابهي الْعلمَاء بقرطبة، وسرعان مَا تفْسد الْحَيَاة فِيهَا وتشتعل الْفِتَن، وَيَأْخُذ صرح الدولة الأموية بهَا فِي الانقضاض، وَتقوم على أنقاضه إمارات لملوك الطوائف المعروفين فِي الأندلس، إِذْ تستقل كل بَلْدَة كَبِيرَة بإمارة وأمير. وطالت الْفِتَن بقرطبة، فهجرها كثير من علمائها، وشجعهم على الْهِجْرَة مِنْهَا الْأُمَرَاء الجدد، إِذْ مضوا يتنافسون فِي جمع الْعلمَاء والأدباء وَالشعرَاء بإماراتهم أَو بلدانهم، وارتحل فِيمَن ارتحلوا عَن قرطبة أَبُو عمر بن عبد الْبر ميمما بطليوس