للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَذكر ابْن إِسْحَاق عَن عَاصِم بْن عمر وَعبد اللَّه بْن أبي بكر: أَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدم الْمَدِينَة وادعته الْيَهُود وَكتب عَنهُ وعنهم كتابا، وَألْحق كل قوم بحلفائهم١، وَشرط عَلَيْهِم فِيمَا شَرط أَن لَا يظاهروا عَلَيْهِ أحدا. فَلَمَّا قدم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ بدر أَتَاهُ بَنو قينقاع، فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّد لَا يغرك من نَفسك أَن نِلْتَ من قَوْمك مَا نلْت، فَإِنَّهُ لَا علم لَهُم بِالْحَرْبِ، أَمَا وَالله لَو حاربتنا لعَلِمت أَن حربنا لَيْسَ كحربهم وَأَنا لنَحْنُ النَّاس*.

قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكَانَ أول من نقض الْعَهْد بَينه وَبَين رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغدر من يهود بَنو قينقاع. فَسَار إِلَيْهِم رَسُول اللَّه وحاصرهم فِي حصونهم، وَقذف اللَّه فِي قُلُوبهم الرعب، فنزلوا على حكمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الْبَعْث ٢ إِلَى كَعْب بْن الْأَشْرَف

وَلما اتَّصل بكعب بْن الْأَشْرَف -وَهُوَ رجل من نَبهَان من طيى وَأمه من بني النَّضِير- قَتْلُ صَنَادِيد قُرَيْش ببدر قَالَ: بطن الأَرْض خير من ظهرهَا. ونهض إِلَى مَكَّة، فَجعل يرثي قَتْلَى قُرَيْش، ويحرض على قتال٣ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ شَاعِرًا. ثمَّ انْصَرف إِلَى مَوْضِعه٤ فَلم يزل يُؤْذِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْعُو إِلَى خِلَافه ويسب الْمُسلمين حَتَّى آذاهم.

فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من لي بِابْن الْأَشْرَف فَإِنَّهُ يُؤْذِي اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤمنِينَ؟ " فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بْن مسلمة: أَنا لَهُ يَا رَسُول اللَّه، أَنا أَقتلهُ إِن شَاءَ اللَّه، قَالَ: "فافعل إِن قدرت على


١ كَانَ بَنو قينقاع حلفاء للخزرج.
* قلت: وَفِيهِمْ نزل قَوْله تَعَالَى: {قل للَّذين كفرُوا ستغلبون وتحشرون إِلَى جَهَنَّم وَبئسَ المهاد} .
وعقب الْآيَة الَّتِي اسْتشْهد بهَا الْمُعَلق: {قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين التقتا فِئَة تقَاتل فِي سَبِيل الله وَأُخْرَى كَافِرَة يرونهم مثليهم رَأْي الْعين وَالله يُؤَيّد بنصره من يَشَاء إِن فِي ذَلِك لعبرة لأولي الْأَبْصَار} .
٢ انْظُر فِي هَذَا الْبَعْث ابْن هِشَام ٣/ ٥٤ والواقدي ص١٨٤ وصحيح مُسلم بشرح النَّوَوِيّ ١٢/ ١٦١ وَابْن سعد ج٢ ق١ ص٢١ والمحبر لِابْنِ حبيب ص٢٨٢ والطبري ٧/ ٤٨٧ وَسنَن أبي دَاوُد "طبعة الْقَاهِرَة" ١/ ٢٧٧ وَابْن حزم ص١٥٤ وَابْن سيد النَّاس ١/ ٢٩٨ وَابْن كثير ٤/ ٥ والنويري ١٧/ ٧٢. وَكَانَ هَذَا الْبَعْث لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة مَضَت من شهر ربيع الأول مفتتح السّنة الثَّالِثَة لِلْهِجْرَةِ.
٣ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ كَانَ يشبب بنساء الْمُسلمين قصدا لإيذاء أَزوَاجهنَّ.
٤ إِلَى مَوْضِعه: أَي من الْمَدِينَة.

<<  <   >  >>