للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من بَين الْقَتْلَى وعاش حَتَّى قتل يَوْم الخَنْدَق شَهِيدا رَحمَه اللَّه.

وَكَانَ فِي سرح١ الْقَوْم عَمْرو بْن أُميَّة الضمرِي وَرجل من الْأَنْصَار من بني عَمْرو بْن عَوْف وَهُوَ الْمُنْذر بْن مُحَمَّد بْن عقبَة بْن أحيحة بن الجلاح، فَنظر الطير تحوم٢ على الْعَسْكَر، فَقَالَا: وَالله إِن لهَذِهِ الطير لشأنا، فَأَقْبَلَا لينظرا فَإِذا الْقَوْم فِي دِمَائِهِمْ، وَإِذا الْخَيل الَّتِي أَصَابَتْهُم واقفة. فَقَالَ: أرى أَن نلحق برَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنخبره الْخَبَر. فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: مَا كنتُ لأرغب عَن موطن قتل فِي الْمُنْذر بْن عَمْرو ثمَّ قَاتل حَتَّى قتل، وَأخذُوا عَمْرو بْن أُميَّة أَسِيرًا. فَلَمَّا أخْبرهُم أَنه من مُضر أطلقهُ عَامر بْن الطُّفَيْل وجز ناصيته، وَأعْتقهُ عَن رَقَبَة زعم أَنَّهَا كَانَت على أمه. وَخرج٣ عَمْرو بْن أُميَّة حَتَّى إِذا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ٤ من صدر قناة٥ أقبل رجلَانِ من بني عَامر -وَقيل من بني سليم- حَتَّى نزلا مَعَه فِي ظلّ هُوَ فِيهِ، وَكَانَ مَعَهُمَا عقد من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلم يعلم بِهِ عَمْرو بْن أُميَّة. وَكَانَ قد سَأَلَهُمَا حِين نزلا: مِمَّن أَنْتُمَا؟ قَالَا: من بني عَامر. فأمهلهما، حَتَّى إِذا نَامَا عدا عَلَيْهِمَا، فَقَتَلَهُمَا، وَهُوَ يرى أَنه قد أصَاب مِنْهُمَا ثَأْره من بني عَامر فِيمَا أَصَابُوا من أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا قدم عَمْرو بْن أُميَّة على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأخْبرهُ الْخَبَر قَالَ: "لَقَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ كَانَ لَهُمَا مِنِّي جِوَارٌ، لأَدِيَنَّهُمَا" ٦ هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ، قَدْ كُنْتُ لِهَذَا كَارِهًا مُتَخَوِّفًا.

فَبلغ أَبَا برَاء مَا صنع عَامر بْن الطُّفَيْل فشق عَلَيْهِ إخفاره إِيَّاه. وَقَالَ حسان بْن ثَابت يحرض أَبَا برَاء على بْن الطُّفَيْل:

بني أم الْبَنِينَ ألم يرعكم ... وَأَنْتُم من ذوائب أهل نجد٧

تَهَكُّمُ عَامر بِأبي برَاء ... ليخفره وَمَا خطأ كعمد

أَلا أبلغ ربيعَة ذَا المساعي ... فَمَا أَحْدَثْتَ فِي الْحدثَان بعدِي٨

أَبوك أَبُو الحروب أَبُو برَاء ... وخالك ماجد حكم بْن سعد٩

أم الْبَنِينَ هِيَ أم أبي برَاء من بني عَامر بْن صعصعة. فَحمل ربيعَة بْن أبي برَاء على عَامر بْن الطُّفَيْل، فطعنه بِالرُّمْحِ، فَوَقع فِي فَخذه، فأشواه١٠، وَوَقع عَن فرسه. فَقَالَ: هَذَا عمل أبي برَاء، إِن مت فدمي لِعَمِّي فَلَا يتبعن بِهِ، وَإِن أعش فسأرى رَأْيِي.


١ السَّرْح: الرعاء.
٢ هَكَذَا فِي ابْن حزم، وَفِي الأَصْل: تحرم على مَوْضِعه وَالْخَيْل الَّتِي أَصَابَتْهُم.
٣ هَكَذَا فِي الأَصْل وَابْن هِشَام، وَفِي ابْن حزم وَغَيره: وَرجع.
٤ القرقرة: هِيَ قرقرة الكدر على ثَمَانِيَة يرد من الْمَدِينَة.
٥ قناة: وَاد يَأْتِي من الطَّائِف وَيصب فِي قرقرة الكدر.
٦ أدينهما: أؤدي دِيَتهمَا. وَقد جَاءَ الرَّسُول خبر هَذَا الْبَعْث وَبعث الرجيع فِي وَقت وَاحِد فَوجدَ عَلَيْهِم جَمِيعًا وجدا شَدِيدا وظل ثَلَاثِينَ صباحا يَدْعُو على رعل وذكوان وَعصيَّة وَبني لحيان الهذليين لما عصوا الله وَرَسُوله وسفكوا من دِمَاء الْمُسلمين.
٧ سميت بِأم الْبَنِينَ لِأَنَّهَا ولدت خَمْسَة أَبنَاء نجباء فُرْسَانًا وهم طفيل وَرَبِيعَة وَأَبُو برَاء عَامر ملاعب الأسنة وَعبيدَة الوضاح وَمُعَاوِيَة معوذ الْحُكَمَاء. الذوائب: الأعالي والأعاظم.
٨ ربيعَة: يُرِيد ربيعَة بن أبي برَاء. المساعي: المكارم: الْحدثَان: النوائب والنوازل.
٩ حكم بن سعد من الْقَيْن بن جسر ويبدو أَن أم ربيعَة كَانَت مِنْهُم.
١٠ أشواه: أصَاب أَطْرَافه وَأَخْطَأ مَقْتَله.

<<  <   >  >>