للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كَانَ بيني وَبَين أَبِيك، فَقَالَ لَهُ عَليّ: أَنا وَالله أحب أَن أَقْتلك. فحمي١ عَمْرو بْن [عَبْد] ود العامري وَنزل عَن فرسه، وَسَار نَحْو عَليّ، فتنازلا وتجاولا، وثار النَّقْع٢ بَينهمَا حَتَّى حَال دونهمَا، فَمَا انجلى النَّقْع حَتَّى رُؤِيَ عَليّ على صدر عَمْرو يقطع رَأسه. فَلَمَّا رأى أَصْحَابه أَنه قد قَتله عَليّ اقتحموا بخيلهم الثغرة منهزمين هاربين، وَقَالَ عَليّ -رَضِي اللَّه عَنهُ- فِي ذَلِك:

نَصَرَ الْحِجَارَة من سفاهة رَأْيه ... ونصرت دين مُحَمَّد بضراب٣

لَا تَحْسَبُنَّ اللَّه خاذِلَ دينه ... وَنبيه يَا معشر الْأَحْزَاب

نازلته وَتركته متجدلا ... كالجذع بَين دكادك وروابي٤

وَرمي يَوْمئِذٍ سعد بْن [معَاذ] بِسَهْم فَقطع مِنْهُ الأكحل٥، رَمَاه حبَان بْن قيس بْن العرقة أحد بني عَامر بْن لؤَي. فَلَمَّا أَصَابَهُ قَالَ لَهُ: خُذْهَا إِلَيْك وَأَنا ابْن العرقة، فَقَالَ لَهُ سعد: عرق اللَّه وَجهك فِي النَّار، وَقيل: بل الَّذِي رَمَاه أَبُو أُسَامَة الْجُشَمِي حَلِيف بني مَخْزُوم.

ولحسان بْن ثَابت مَعَ صَفِيَّة بنت عَبْد الْمطلب خبر طريف٦ يَوْمئِذٍ وَكَانَ حسان قد تخلف عَن الْخُرُوج مَعَ الْخَوَالِف بِالْمَدِينَةِ ذكره ابْن إِسْحَاق وَطَائِفَة من أهل السّير، وَقد أنكرهُ مِنْهُم آخَرُونَ، فَقَالُوا لَو كَانَ فِي حسان من الْجُبْن مَا وصفتم لهجاه بذلك من كَانَ يهاجيه فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام، ولهجي بذلك ابْنه عَبْد الرَّحْمَن، فَإِنَّهُ كَانَ كثيرا مَا يهاجي النَّاس من شعراء الْعَرَب مثل النَّجَاشِيّ وَغَيره.

وأتى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعيم بْن مَسْعُود بْن عَامر الْأَشْجَعِيّ، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنِّي قد أسلمت، وَلم يعلم قومِي بِإِسْلَامِي، فمرني بِمَا شِئْت، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا أَنْت


١ حمي: احتد غَضَبه.
٢ النَّقْع: غُبَار الْحَرْب.
٣ فِي ابْن هِشَام: بصواب، وَيُرِيد بِالْحِجَارَةِ الأنصاب الَّتِي كَانُوا يقدسونها ويذبحون لَهَا.
٤ متجدلا: لاصقا بِالْأَرْضِ، والدكادك: جمع دكدك وَهُوَ الرمل اللين. والروابي: التلال والمرتفعات.
٥ الأكحل: وريد فِي الذِّرَاع يكثر فصده، أَو هُوَ عرق الْحَيَاة وَفِي كل عُضْو مِنْهُ شُعْبَة.
٦ انْظُر فِي هَذَا الْخَبَر ابْن هِشَام ٣/ ٢٣٩ وَمُلَخَّصه أَن صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب كَانَت تنزل مَعَه فِي حصنه أثْنَاء حَرْب الخَنْدَق ولاحظت أَن يَهُودِيّا يطِيف بِهِ. فطلبت إِلَى حسان أَن ينزل إِلَيْهِ فيقتله، فَقَالَ لَهَا: وَالله مَا أَنا بِصَاحِب هَذَا، فَأخذت هِيَ عمودا وَنزلت إِلَى الرجل وقتلته، ثمَّ صعدت إِلَى حسان، وَقَالَت لَهُ: انْزِلْ فَخذ سلبه.

<<  <   >  >>