للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فسلك عَلَيْهِ السَّلَام على طَرِيق الشَّام١ من الْمَدِينَة على جبل يقل لَهُ غراب، ثمَّ أَخذ ذَات الشمَال، ثمَّ سلك المحجة من طَرِيق مَكَّة، فأغذ٢ السّير حَتَّى أَتَى وَادي غران بَين أمج وَعُسْفَان٣ وَهِي منَازِل٤ بني لحيان، فوجدوهم قد حذروا وتمنعوا فِي رُءُوس الْجبَال. فتمادى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِائَتي رَاكب حَتَّى نزل عسفان. وَبعث صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلَيْنِ من أَصْحَابه فارسين حَتَّى بلغا كرَاع٥ الغميم، ثمَّ كرا ورجعا، وَرجع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَافِلًا إِلَى الْمَدِينَة.

وَفِي غَزْوَة بني لحيان قَالَت الْأَنْصَار: الْمَدِينَة خَالِيَة منا وَقد بَعدنَا عَنْهَا وَلَا نَأْمَن عدوا يخالفنا إِلَيْهَا، فَأخْبرهُم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن على أنقاب الْمَدِينَة مَلَائِكَة، على كل نقب مِنْهَا ملك يحميها بِأَمْر اللَّه عز وَجل.

غَزْوَة ٦ ذِي قَرَدَ ٧

وَلما انْصَرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بني لحيان لم يبْق بِالْمَدِينَةِ [إِلَّا ليَالِي٨ قَلَائِل حَتَّى أغار] عُيَيْنَة بْن حصن فِي بني عَبْد اللَّهِ بْن غطفان، فاكتسحوا لقاحا٩ كَانَت لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَابَةِ١٠، وَكَانَ فِيهَا رجل١١ من بني غفار وَامْرَأَة لَهُ، فَقتلُوا الْغِفَارِيّ، وحملوا الْمَرْأَة واللقاح.


١ أَي أَنه أظهر أَنه يُرِيد الشَّام حَتَّى لَا تعرف وجهته.
٢ عسفان: على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة.
٣ أغذ السّير: أسْرع.
٤ حَيْثُ كَانَ مصاب عَاصِم وَأَصْحَابه.
٥ كرَاع الغميم: مَوضِع جنوبي عسفان إِلَى مَكَّة. وَإِنَّمَا صنع ذَلِك حَتَّى تسمع بِتِلْكَ الْغَزْوَة قُرَيْش فيملؤها الذعر، وَفِي ابْن سعد: أَنه بعث أَبَا بكر فِي عشرَة فوارس، فَأتوا الغميم ثمَّ رجعُوا وَلم يلْقوا أحدا.
٦ انْظُر فِي غَزْوَة ذِي قرد ابْن هِشَام ٣/ ٢٩٣ وَابْن سعد ج٢ ق١ ص٥٨ وصحيح البُخَارِيّ ٥/ ١٣٠ وصحيح مُسلم بشرح النَّوَوِيّ ١٢/ ١٧٣ وأنساب الْأَشْرَاف ١/ ١٦٧ والطبري ٢/ ٥٩٦ وَابْن حزم ص٢٠١ وَابْن سيد النَّاس ٢/ ٨٤ وَابْن كثير ٤/ ١٠٥ والنويري ١٧/ ٢٠١.
٧ قرد بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء وَقيل بضمهما. وَذُو قرد: مَاء على نَحْو بريد من الْمَدِينَة مِمَّا يَلِي غطفان، وَقيل على مَسَافَة يَوْم مِنْهَا.
٨ زِيَادَة من ر وَابْن هِشَام، وَعند ابْن سعد أَن هَذِه الْغَزْوَة كَانَت فِي ربيع الأول.
٩ لقاح: جمع لقحة وَهِي النَّاقة ذَات اللَّبن الْقَرِيبَة الْعَهْد بِالْولادَةِ أَو هِيَ الحاملة ذَات اللَّبن.
١٠ الغابة: مَوضِع شمَالي الْمَدِينَة.
١١ فِي ابْن سعد أَن هَذَا الرجل الْغِفَارِيّ ابْن لأبي ذَر وَاسم امْرَأَته ليلى.

<<  <   >  >>