للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هَذَا وَالصَّوَاب مَا قَالَه ابْن إِسْحَاق١ دون مَا قَالَه مُوسَى وَغَيره عَن ابْن شهَاب. وَالله أعلم.

قَالَ أَبُو عمر:

قسم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَيْبَر، وَأخرج الْخمس٢ مِمَّا قسم، وَلم يقدر أَهلهَا٣ على عمارتها وعملها فَأقر الْيَهُود فِيهَا على الْعَمَل فِي النّخل وَالْأَرْض، وَقَالَ لَهُم: "أقركم مَا أقركم٤ اللَّه". ثمَّ أذن اللَّه لَهُ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ بإخراجهم، فَقَالَ: "لَا يبْقين دينان بِأَرْض الْعَرَب". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: "أخرجُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أَرض الْحجاز". وَلم يكن بَقِي يَوْمئِذٍ بهَا مُشْرك وثنى -وَلَا بِأَرْض الْيمن أَيْضا- إِلَّا أسلم فِي سنة تسع وَسنة عشر. فَلَمَّا بلغ عمرَ بْنَ الْخطاب -رَضِي اللَّه عَنهُ- فِي خِلَافَته قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: "أخرجُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أَرض الْعَرَب" أجلاهم عَنْهَا، فَأخذ الْمُسلمُونَ سِهَامهمْ فِي خَيْبَر، فتصرفوا فِيهَا تصرف المالكين.

قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكَانَ الْمُتَوَلِي للْقِسْمَة بِخَيْبَر جَبَّار بْن صَخْر الْأنْصَارِيّ من بني سَلمَة، وَزيد بْن ثَابت من بني النجار، كَانَا حاسبين قاسمين. وَكَانَت قسْمَة خَيْبَر لأهل الْحُدَيْبِيَة: من حضر الوقيعة بِخَيْبَر وَمن لم يحضرها، لِأَن اللَّه أَعْطَاهُم ذَلِك فِي سفر الْحُدَيْبِيَة٥. وَلذَلِك قَالَ مُوسَى بْن عقبَة: لم يقسم من خَيْبَر شَيْء إِلَّا لمن شهد الْحُدَيْبِيَة، وروى ذَلِك عَن جمَاعَة من السّلف.


١ أَي أَن خَيْبَر فتحت كلهَا عنْوَة خلافًا لمُوسَى بن عقبَة وَغَيره مِمَّن قَالُوا بِأَن بَعْضهَا فتح صلحا وَبَعضهَا فتح عنْوَة، وَقد أورد ابْن سيد النَّاس آثارا مُخْتَلفَة تشهد لِابْنِ عقبَة وَأَن الوطيح والسلالم فتحا صلحا وَفتح بعض الكتيبة عنْوَة وَبَعضهَا صلحا، وحاول ابْن سيد النَّاس أَن يوفق بَين الرأيين، فَقَالَ أَن أهل هَذِه الْحُصُون نقضوا الصُّلْح، فَصَارَت جَمِيعهَا عنْوَة، ثمَّ خمسها الرَّسُول وَقسمهَا.
٢ كَمَا تنص الْآيَة الْكَرِيمَة: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأن لله خمسه} وَكَانَت الكتيبة هِيَ هَذِه الْخمس، ويستظهر ابْن سيد النَّاس أَن يكون مَا أعطَاهُ الرَّسُول لأهل السفينتين وللدوسيين والأشعريين من الكتيبة والوطيح والسلالم، وَكَأن هَذِه الْحُصُون هِيَ النّصْف الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ بشير بن يسَار فِي حَدِيثه وَالَّذِي حجزه الرَّسُول لما ينزل بِهِ من أُمُور الْمُسلمين. انْظُر ابْن سيد النَّاس ٢/ ١٤٠.
٣ أَهلهَا: أَي فاتحوها الَّذين ملكوها من الْمُسلمين.
٤ هَكَذَا فِي ر وَابْن هِشَام، وَفِي الأَصْل: "أقركم على مَا أقركم الله".
٥ إِشَارَة إِلَى قَول الله عز وَجل الَّذِي افْتتح بِهِ هَذِه الْغَزْوَة: {وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا، وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً} .

<<  <   >  >>