للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَحلت قُرُون رَأسهَا، فأخرجت الْكتاب مِنْهَا. فَأتوا بِهِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذا هُوَ كتاب من حَاطِب بْن أبي بلتعة إِلَى أهل مَكَّة. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا هَذَا يَا حَاطِب؟ " فَقَالَ حَاطِب: وَالله يَا رَسُول اللَّه مَا شَككت فِي الْإِسْلَام وَلَا رجعت عَن ديني، وَلَكِنِّي كنت مُلْصقًا فِي قُرَيْش فَأَرَدْت أَن أَتَّخِذ عِنْدهم بذلك يدا يحفظونني بهَا فِي شأفتي١ بِمَكَّة لِأَن أَهلِي وَوَلَدي بهَا. فَقَالَ عمر بْن الْخطاب: يَا رَسُول اللَّه دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَمَا يدْريك يَا عمر لَعَلَّ اللَّه قد اطلع على أهل بدر، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم" ٢.

وَخرج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عشرَة آلَاف واستخلف على الْمَدِينَة أَبَا رهم كُلْثُوم٣ بْن حُصَيْن الْغِفَارِيّ، وَكَانَ خُرُوجه لعشر خلت من رَمَضَان، فصَام عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى بلغ الكديد٤ بَين عسفان وأمج، ثمَّ أفطر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد صَلَاة الْعَصْر، وَشرب على رَاحِلَته عَلَانيَة ليراه النَّاس، وَقَالَ: "تَقَوَّوْا لعدوكم" وَأمر النَّاس بِالْفطرِ، فَأفْطر بَعضهم وَصَامَ بَعضهم، فَلم يعب على الصَّائِم٥ وَلَا على الْمُفطر.

فَلَمَّا نزل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر٦ الظهْرَان وَمَعَهُ من بني سليم ألف رجل وَمن بني مزينة ألف رجل وَثَلَاثَة رجال، وَقيل من بني سليم سَبْعمِائة، وَمن بني غفار أَرْبَعمِائَة، وَمن أسلم أَرْبَعمِائَة، وَطَوَائِف من قيس وَأسد وَتَمِيم وَغَيرهم من سَائِر الْعَرَب، وَقد أخْفى اللَّه عز وَجل خَبره عَن قُرَيْش إِلَّا أَنهم عَلَى وَجَلٍ وارتقاب. خرج٧ أَبُو سُفْيَان وَبُدَيْل بن


١ الشأفة: الْأَهْل وَالْمَال.
٢ وَأنزل الله تَعَالَى فِي حَاطِب: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء تلقونَ إِلَيْهِم بالمودة وَقد كفرُوا بِمَا جَاءَكُم من الْحق} إِلَى قَوْله: {قد كَانَت لكم أُسْوَة حَسَنَة فِي إِبْرَاهِيم وَالَّذين مَعَه إِذْ قَالُوا لقومهم إِنَّا بُرَآء مِنْكُم وَمِمَّا تَعْبدُونَ من دون الله كفرنا بكم وبدا بَيْننَا وَبَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء أبدا حَتَّى تؤمنوا بِاللَّه وَحده} إِلَى آخر الْقِصَّة "انْظُر الرَّوْض الْأنف ٢/ ٢٦٦ وَمَا بعْدهَا".
٣ فِي ابْن سعد: عبد الله بن أم مَكْتُوم.
٤ الكديد: مَوضِع على اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين ميلًا من مَكَّة.
٥ روى ابْن حزم ص٢٢٧ أَنه عَابَ على الصائمين صِيَامهمْ واستنتج من ذَلِك أَن الصّيام لَا يُبَاح فِي السّفر وَأَن ذَلِك يعد نسخا لما كَانَ قبله من إِبَاحَته.
٦ مر الظهْرَان: مَوضِع على مرحلة من مَكَّة.
٧ جَوَاب لما فِي أول الْفَقْرَة.

<<  <   >  >>