للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتوقعت الْأَنْصَار أَن يبْقى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بِمَكَّة، فَأخْبرهُم أَن الْمحيا محياهم وَأَن الْمَمَات مماتهم. وَمر عَلَيْهِ السَّلَام بفضالة بْن عُمَيْر بْن الملوح اللَّيْثِيّ، وَهُوَ عازم على الفتك برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: "مَا تحدث بِهِ نَفسك؟ " قَالَ: لَا شَيْء كنت أذكر اللَّه عز وَجل، فَضَحِك النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، وَقَالَ: "أسْتَغْفر اللَّه لَك" وَوضع يَده عَلَيْهِ السَّلَام على صدر فضَالة، فَكَانَ فضَالة يَقُول: وَالله مَا رفع يَده عَن صَدْرِي حَتَّى مَا أجد على ظهر الأَرْض أحب إِلَيّ مِنْهُ.

وهرب صَفْوَان بْن أُميَّة إِلَى الْيمن، فَاتبعهُ عُمَيْر بْن وهب الجُمَحِي بتأمين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [إِيَّاه فَرجع] فَأكْرمه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهُ: "انْزِلْ١ يَا أَبَا وهب" فَقَالَ: إِن هَذَا يُخْبِرنِي عَنْك أَنَّك تمهلني شَهْرَيْن، قَالَ: "بل لَك أَرْبَعَة أشهر". وهرب ابْن الزبعري٢ الشَّاعِر إِلَى نَجْرَان ثمَّ رَجَعَ، فَأسلم. وهرب هُبَيْرَة بْن أبي وهب المَخْزُومِي زوج أم هَانِيء بنت أبي طَالب إِلَى الْيمن٣، فَمَاتَ هُنَاكَ كَافِرًا.

ثمَّ بعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّرَايَا حول مَكَّة يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَام، وَلم يَأْمُرهُم٤ بِقِتَال. وَكَانَ أحد أُمَرَاء تِلْكَ السَّرَايَا: خَالِد بْن الْوَلِيد خرج إِلَى بني جذيمة بْن عَامر بْن عَبْد مَنَاة بْن كنَانَة، فَقتل مِنْهُم وسبا، وَقد كَانُوا أَسْلمُوا وَلم يقبل خَالِد قَوْلهم وإقرارهم بِالْإِسْلَامِ، فوداهم٥ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ عَليّ بْن أبي طَالب رَضِي اللَّه عَنهُ بِمَال إِلَيْهِم، فودى لَهُم جَمِيع قتلاهم ورد إِلَيْهِم مَا أَخذ مِنْهُم وَقَالَ لَهُم عَليّ: انْظُرُوا إِن فقدتم عقَالًا٦ لأدينه، فَبِهَذَا أَمرنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرفع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك من صنع خَالِد".

ثمَّ بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى الْعُزَّى وَكَانَ بَيْتا٧ بنخلة تعظمه قُرَيْش وكنانة وَجَمِيع مُضر، وَكَانَ سدنته بَنو شَيبَان من بني سليم حلفاء بني هَاشم، فهدمه. وَكَانَ فتح مَكَّة لعشر بَقينَ من رَمَضَان سنة ثَمَان من الْهِجْرَة.


١ وَكَانَ لَا يزَال رَاكِبًا رَاحِلَته وَقد ناداه بكنيته تلطفا. وَقد أسلم بعد موقعة حنين أَي بعد شهر وَحسن إِسْلَامه.
٢ أشعر قُرَيْش وَكَانَ من أَشدّهَا إِيذَاء للرسول بِشعرِهِ، وَقد مضى بعد إِسْلَامه ينْسَخ شعره الْقَدِيم بأشعار كَثِيرَة يمدح بهَا الرَّسُول وهديه الْكَرِيم.
٣ وَقيل إِلَى نَجْرَان.
٤ فِي بعض المصادر: وَأمرهمْ بِقِتَال من قَاتل.
٥ وداهم: دفع دياتهم.
٦ العقال هُنَا: الْبَعِير.
٧ بَيْتا: أَي كعبة. نَخْلَة: على الطَّرِيق من مَكَّة إِلَى الطَّائِف وَبَينهَا وَبَين مَكَّة مسير لَيْلَة.

<<  <   >  >>