للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَلَيْهِ السَّلَام، ورده إِلَى حصنه بعد أَن صَالحه على الْجِزْيَة. وَصَالح يحنة بْن رؤبة صَاحب أَيْلَة١ على الْجِزْيَة.

[العودة من تَبُوك]

وَأقَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبوك بضع عشرَة لَيْلَة، وَلم يتجاوزها٢، ثمَّ انْصَرف وَكَانَ فِي طَرِيقه مَاء قَلِيل، فَنهى أَن يسْبق أحد إِلَى المَاء، فَسبق إِلَيْهِ رجلَانِ، فاستنفدا مَا فِيهِ، فسبهما رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّه أَن يَقُول. ثمَّ وضع يَده فِي المَاء ودعا الله فِيهِ الْبركَة، فَجَاشَتْ الْعين بِمَاء عَظِيم كفى الْجَيْش كُله. وَأخْبر عَلَيْهِ السَّلَام أَن ذَلِك الْموضع سَيُمْلأُ جِنَانًا. فَكَانَ كَذَلِك. وَبنى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَين تَبُوك وَالْمَدينَة مَسَاجِد كَثِيرَة نَحْو سِتَّة عشر مَسْجِدا، أَولهَا مَسْجِد بناه بتبوك وَآخِرهَا بِذِي خشب٣.

مَسْجِد الضرار

وَكَانَ أهل مَسْجِد الضرار قد أَتَوْهُ وَهُوَ متجهز إِلَى تَبُوك، فَقَالُوا: يَا رَسُول اللَّه إِنَّا قد بنينَا مَسْجِدا لذِي الْعَيْلَةِ٤ وَالْحَاجة والليلةِ الْمَطِيرَة، وَإِنَّا نحب أَن تَأْتِينَا فَتُصَلِّي فِيهِ، فَقَالَ لَهُم: "أَنا فِي شغل السّفر، وَإِذا انصرفت فسيكون" ٥ فَلَمَّا انْصَرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمر فِي مُنْصَرفه بهدم مَسْجِد الضرار: أَمر بذلك مَالك بْن الدخشم ومعن بْن عدي وَعَاصِم بْن عدي أَخَاهُ وَأمر بإحراقه، وَقَالَ لَهُم: "اخْرُجُوا إِلَى هَذَا الْمَسْجِد الظَّالِم أَهله، فَاهْدِمُوهُ وأحرقوه" فَخَرجُوا مُسْرِعين. وَأخرج مَالك بْن الدخشم من منزله شعلة من نَار. ونهضوا فأحرقوا الْمَسْجِد وهدموه وَكَانَ الَّذين بنوه: خذام بْن خَالِد من بني عبيد بْن زيد أحد بني


١ أَيْلَة: كَانَت ثغرا على خليج الْعقبَة أَو بِقُرْبِهِ. وَجَاء فِي صلح الرَّسُول لَهُ وللأكيدر أَنه صالحهما أَيْضا على تَبُوك وتيماء بِحَيْثُ تدفعان الْجِزْيَة.
٢ فِي ابْن سعد: أَن الرَّسُول أَقَامَ على تَبُوك عشْرين لَيْلَة.
٣ ذُو خشب: على مرحلة من الْمَدِينَة.
٤ الْعيلَة: الْفقر، وَفِي ابْن هِشَام: الْعلَّة.
٥ فسيكون: لم يُصَرح الرَّسُول بِمَا سَيكون، وَكَأَنَّهُ انتوى هدم الْمَسْجِد مُنْذُ سمع بِهِ، لِأَن من اتخذوه أَرَادوا بِهِ ستر غايتهم من التَّفْرِقَة بَين الْمُسلمين.

<<  <   >  >>