للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَعْثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جحش [وسَرِيَّتِهِ] ١

وَلما رَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ طلب كرز بْن جَابر، وَتُعْرَفُ تِلْكَ الْخَرْجَةُ ببدر الأولى، أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّة جُمَادَى الْآخِرَة ورجبا. وَبعث فِي رَجَب عَبْد اللَّهِ بْن جحش بْن رِئَاب وَمَعَهُ ثَمَانِيَة٢ رجال من الْمُهَاجِرين، وهم: أَبُو حُذَيْفَة بْن عتبَة، وعكاشة بْن مُحصن، وَعتبَة بْن غَزوَان، وَسُهيْل بْن بَيْضَاء الفِهري، وَسعد بْن أبي وَقاص، وعامر بْن ربيعَة٣، وواقد بْن عَبْد اللَّهِ التَّمِيمِي٤، وخَالِد بْن البكير اللَّيْثِيّ٥.

وَكتب لعبد اللَّه بْن جحش كتابا وَأمره أَن لَا ينظر فِيهِ، وَلَا يستكره أحدا من أَصْحَابه، وَكَانَ أَمِيرهمْ. فَفعل عَبْد اللَّهِ بْن جحش مَا أمره بِهِ، فَلَمَّا فتح الْكتاب وقرأه وجد فِيهِ:

"إِذا نظرت فِي كتابي هَذَا فَامْضِ حَتَّى تنزل نَخْلَة٦ بَين مَكَّة والطائف فترصد بهَا قُريْشًا، وَتعلم لنا من أخبارهم"*.


١ زِيَادَة من ر، وَانْظُر فِي هَذَا الْبَعْث ابْن هِشَام ٢/ ٢٥٢ وَابْن سعد ج٢ ق١ ص٥ والطبري ٢/ ٤١٠ وَابْن حزم ص١٠٤ وَابْن سيد النَّاس ١/ ٢٢٧ وَابْن كثير ٣/ ٢٤٨ والنويري ١٧/ ٦.
٢ فِي بعض المراجع: فِي اثنى عشر رجلا من الْمُهَاجِرين.
٣ هَكَذَا فِي ر وَابْن هِشَام وَبَقِيَّة المراجع، وَفِي الأَصْل: أبي ربيعَة.
٤ هَكَذَا فِي ر وَابْن هِشَام وَبَقِيَّة المراجع، وَفِي الأَصْل: التَّيْمِيّ.
٥ زَاد ابْن سعد على هَؤُلَاءِ الثَّمَانِية الْمِقْدَاد بن عَمْرو.
٦ نَخْلَة: مَوضِع على لَيْلَة من مَكَّة.
* قلت: فِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه جَوَاز شَهَادَة التَّقْلِيد، وَهِي مَسْأَلَة خلاف بَين الْعلمَاء: إِذا قَالَ لَهُ اشْهَدْ على بِمَا فِيهِ وَلَا تَقْرَأهُ. فَقيل يَصح ذَلِك، وَقيل لَا. وَظَاهر هَذَا الحَدِيث صِحَّته. وَفِيه أَيْضا جَوَاز تراخي الْقبُول عَن الْإِيجَاب. وَفِيه جَوَاز العقد وَالتَّوْلِيَة على الْأَمر الْمَجْهُول حِين العقد بِخِلَاف عُقُود الْمُعَاوَضَات كالإجراءات وَنَحْوهَا. وَلَو قَالَ فِي الْإِجَارَات: استأجرتك بِكَذَا على أَن تعْمل لي بِمُقْتَضى مَا فِي هَذَا الْكتاب وَلَا تَقْرَأهُ إِلَّا بعد كَذَا لما جَازَ، لِأَن الْغرَر لَا يحْتَمل فِي الْمُعَاوضَة. وَفِيه من السياسة كتمان مَا يضر إعلانه قبل وقته. وَيَأْخُذ بِهَذَا الْأَدَب كثير من الْمُلُوك فِي كثير من الْأَحْوَال. وَأخذ مِنْهُ أصل حسن فِي صِحَة الْإِجَازَة والمناولة واعتماد الْمجَاز على ذَلِك وَإِن لم يعرف مَا الْكتاب قَالَ السُّهيْلي [الرَّوْض الْأنف ٢/ ٥٩] : لَكِن شَرطه على مُقْتَضى هَذَا الحَدِيث أَن يسْتَمر الْكتاب بيد الْمجَاز، وَأَن لَا يستعيده الْمُجِيز، وَهَذَا غير لَازم. وَمَتى صَحَّ للمجاز أَن النُّسْخَة على مَا كَانَت عَلَيْهِ وَقت الْإِجَازَة والمناولة لم تبدل وَلم تغير اكْتفى بذلك. وقرائن الْأَحْوَال فِيهِ محكمَة [لَا] تلْزم على سِيَاق مَا الْتزم السُّهيْلي أَن لَا يخرج الْكتاب من يَد الْمجَاز إِلَى أحد أبدا. وَهَذَا العسف لَا يَقُول بِهِ غَيره.

<<  <   >  >>