للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} *.

وَقبل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِدَاء فِي الْأَسِيرين، فَأَما عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ فَمَاتَ بِمَكَّة كَافِرًا، وَأما الحكم بْن كيسَان فَأسلم وَأقَام مَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتشْهد ببئر مَعُونَة. وَرجع سعد وَعتبَة إِلَى الْمَدِينَة سَالِمَيْنِ.

صرف الْقبْلَة ١

وصرفت الْقبْلَة عَن بَيت الْمُقَدّس إِلَى الْكَعْبَة فِي السّنة الثَّانِيَة على رَأس سِتَّة عشر شهرا، وَقيل سَبْعَة عشر شهرا من مقدم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة، وَذَلِكَ قبل بدر بشهرين. وَقد ذكرنَا الِاخْتِلَاف فِي الصَّلَاة بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة هَل كَانَت إِلَى الْكَعْبَة أَو إِلَى بَيت الْمُقَدّس؟ وَالرِّوَايَات بِالْوَجْهَيْنِ فِي كتاب التَّمْهِيد وَفِي كتاب الاستذكار٢. وَرُوِيَ أَن أول من صلى إِلَى الْكَعْبَة حِين صرفت الْقبْلَة عَن بَيت الْمُقَدّس أَبُو سعيد بْن الْمُعَلَّى، وَذَلِكَ أَنه سمع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخْطب بتحويل الْقبْلَة، فَقَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ إِلَى الْكَعْبَة.


* قلت: فِي هَذَا الحَدِيث "أَي حَدِيث الْغَزْوَة" دَلِيل على تسويغ الِاجْتِهَاد فِي زَمَنه عَلَيْهِ السَّلَام، فَإِن عبد الله بن جحش أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى قسْمَة الْغَنِيمَة كَمَا شَاءَ، وَتَخْصِيص الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخمس. فصوب الْحق اجْتِهَاده وأمضاه فَإِن قلت: كَيفَ أنكر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتلهمْ لمن قَتَلُوهُ فِي الشَّهْر الْحَرَام ثمَّ نزل الْقُرْآن بتصويب فعلهم؟ قلت: لم يصوب الْقُرْآن شَيْئا أنكرهُ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام، وَلكنه قرر أَن الْقِتَال مُنكر كَمَا أنكرهُ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام، وَلكنه قرر أَيْضا أَن فعل الْجَاهِلِيَّة أَشد نكرا. لِأَن فعلهم الْكفْر وَقطع الطَّرِيق على الْحجَّاج وإثارة الْفِتْنَة، فَقطع الله احتجاجهم على الْمُسلمين بِأَن الْجَاهِلِيَّة أولى بالإنكار وأجدر برد الْأَعْذَار وَالله الْمُسْتَعَان.
١ انْظُر فِي صرف الْقبْلَة ابْن هِشَام ٢/ ٢٥٧ وَابْن سعد ج١ ق٢ ص٣ وصحيح مُسلم بشرح النَّوَوِيّ ٥/ ٩ وصحيح البُخَارِيّ ١/ ٨٤ والطبري ٢/ ٤١٥ وَابْن حزم ص١٠٦ وَابْن سيد النَّاس ١/ ٢٣٠ وَابْن كثير ٣/ ٢٥٢ والنويري ١٦/ ٣٩٧.
٢ نقل ابْن سيد النَّاس الرِّوَايَات الْمَذْكُورَة واختلافها فِي أَن الرَّسُول كَانَ أول مَا صلى يسْتَقْبل الْكَعْبَة وَهُوَ لَا يزَال بِمَكَّة ثمَّ تحول عَنْهَا فِي الْمَدِينَة إِلَى بَيت الْمُقَدّس. وَقيل إِنَّه تحول عَنْهَا وَهُوَ لَا يزَال بِمَكَّة. وَقيل بل كَانَ يُصَلِّي فِي مَكَّة مُسْتَقْبلا بَيت الْمُقَدّس حَتَّى صرفه الله عَنهُ فِي الْمَدِينَة إِلَى الْكَعْبَة. وَاسْتحْسن ابْن عبد الْبر قَول من قَالَ أَنه كَانَ بِمَكَّة يصلى مُسْتَقْبل الْقبْلَتَيْنِ مَعًا يَجْعَل الْكَعْبَة بَينه وَبَين بَيت الْمُقَدّس انْظُر ابْن سيد النَّاس ١/ ٢٣٦.

<<  <   >  >>