للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل فِي كَلَام كليّ فِي التنفس التّنفس يتمّ بحركتين ووقفتين بَينهمَا على مِثَال مَا عَلَيْهِ الْأَمر فِي النبض إِلَّا أَن حَرَكَة التنفس إرادية يُمكن أَن تغيَّر بالإرادة عَن مجْرَاه الطبيعي والنبض الطبيعي صرف وَالْغَرَض فِي النَّفس أَن يمْلَأ الرئة نسيماً بَارِدًا حَتَّى بعد النبضات القلبية فَلَا يزَال الْقلب يَأْخُذ مِنْهُ الْهَوَاء الْبَارِد ويردّ إِلَيْهِ البخار الدخاني إِلَى أَن يعرض لذَلِك المستنشق أَمْرَانِ: أَحدهمَا استحالته عَن برده بتسخين مَا يجاوره وَمَا يخالطه واستحالته عَن صِفَاته بمغالطة البخار الدخاني لَهُ فَحِينَئِذٍ يَزُول عَنهُ الْمَعْنى الَّذِي بِهِ يصلح لاستمداد النبض مِنْهُ فَيحْتَاج إِلَى إِخْرَاجه وَالِاسْتِدْلَال مِنْهُ. وَبَين الْأَمريْنِ وقفتان واستدخاله - وَهُوَ الِاسْتِنْشَاق - يكون بانبساط الرئة تَابِعَة لحركة أجرام يطيب بهَا حِين يعسر الْأَمر فِيهَا وإخراجه يكون لانقباض الرئة تَابِعَة لحركة أجرام يطِيف بهَا. وَالنَّفس عِنْد الْعَامَّة هُوَ الْمخْرج وَعند الْأَطِبَّاء وَفِي اصْطِلَاح مَا بَينهم تَارَة الْمخْرج كَمَا عِنْد الْعَامَّة وَتارَة هَذِه الْجُمْلَة كَمَا أَن النبض عِنْد الْعَامَّة هُوَ الْحَرَكَة الانبساطية وَعند الْأَطِبَّاء فِيهِ اصْطِلَاح خَاص على النَّحْو الْمَعْلُوم فِيهِ وحركة النَّفس المعتدل الطبيعي الْخَالِي عَن الآفة يتمّ بحركة الْحجاب فَإِن احْتِيجَ إِلَى زِيَادَة قُوَّة لما لَيْسَ يدْخل إِلَّا بِمَشَقَّة أَو لتقوي النَّفس ليخرج نفخه شَارك الْحجاب فِي هَذِه المعونة عضل الصَّدْر كلهَا حَتَّى أعاليها أَو لَا بُد فبعض السافلة مِنْهَا فَقَط فَإِن احْتِيجَ إِلَى أَن يكون صَوتا لم يكن بُد من اسْتِعْمَال عضل الحنجرة فَإِن احْتِيجَ إِلَى أَن يقطع حروفاً ويؤلف مِنْهُ كَلَام لم يكن بدّ من اسْتِعْمَال عضل اللِّسَان وَرُبمَا احْتِيجَ فِيهَا إِلَى اسْتِعْمَال عضل الشّفة. وكما أنّ فِي النبض عَظِيما وصغيراً وطويلاً وقصيراً وسريعاً وبطيئاً وحاراً وبارداً ومتواتراً ومتفاوتاً وقوياً وضعيفاً ومنقطعاً ومتّصلاً ومتشنّجاً ومرتعشاً وَقَلِيل حَشْو الْعُرُوق وَكَثِيره وأموراً محمودة وأموراً مذمومة ولكلِّ ذَلِك أَسبَاب كل ذَلِك دَلِيل على أَمر مَا وَلها اخْتِلَاف بِحَسب الأمزجة والأسنان والأجناس والعوارض الْبَدَنِيَّة والنفسانية كَذَلِك للنَّفس هَذِه الْأُمُور المعدودة وَمَا يشبهها ولكلّ أَمر مِنْهَا فِيهِ سَبَب وكل أَمر مِنْهَا دَلِيل. فَمن النَّفس عَظِيم وَمِنْه صَغِير وَمِنْه طَوِيل وَمِنْه قصير وَمِنْه سريع وَمِنْه بطيء وَمِنْه متفاوت وَمِنْه متواتر وَمِنْه ضيّق وَمِنْه وَاسع وَمِنْه سهل وَمِنْه عسر وَمِنْه قوي وَمِنْه ضَعِيف وَمِنْه حَار وَمِنْه بَارِد وَمِنْه مستوٍ وَمِنْه مُخْتَلف. وَمن أَصْنَاف النَّفس مَا لَهُ أَسمَاء خَاصَّة مثل النَّفس الْمُنْقَطع وَالنَّفس المضاعف وَالنَّفس المنتصب وَالنَّفس الخناقي وَالنَّفس المستكره فِي الفترات كَمَا يكون فِي السكتة وَنَحْوهَا. والآفات الَّتِي تعرض فِي آلَات النَّفس فَيدْخل مِنْهَا آفَة فِي النَّفس إِمَّا أَن يكون فِي أَعْضَاء النَّفس أَو فِي مباديها أَو فِيمَا يشاركها بالجوار.

<<  <  ج: ص:  >  >>