للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرُبمَا كَانَ هَذَا السعال مَعَ النفث من أول الْأَمر وَهُوَ مَحْمُود جدا وَإِنَّمَا يعرض السعال لتأذي الرئة بالمجاورة ثمَّ يرشح مَا يوشح إِلَيْهَا من مَادَّة الْمَرَض فَيحْتَاج إِلَى نفثه فَإِن تحلّل كُله وترشّح فقد استنقى مَا جمع والخالص مِنْهُ لَا يكون مَعَه ضَرْبَان لِأَن الْعُضْو عادم لِكَثْرَة الشرايين وَلما كَانَ ذَات الْجنب يشبه ذَات الكبد بِسَبَب السعال والحمّى وضيق النَّفس ولتمدّد المعاليق واندفاع الْأَلَم إِلَى الغشاء المستبطن وَجب أَن يفرق بَينهَا وَبَينهَا وَأَيْضًا يشبه ذَات الرئة بِسَبَب ذَلِك وبسبب النفث فَيجب أَن يفرق بَينهمَا. فَالْفرق بَين ذَات الْجنب وَذَات الكبد أَن النبض فِي ذَات الكبد موجي والوجع ثقيل لَيْسَ بناخس وَالْوَجْه مُسْتَحِيل إِلَى الصُّفْرَة الرَّديئَة والسعال غير نافث بل تكون سعالات يابسة متباطئة وَرُبمَا اسودّ اللِّسَان بعد صفرته وَالْبَوْل يكون غليظاً استسقائياً وَيكون البرَاز كبدياً ويحسّ بثقل فِي الْجَانِب الْأَيْمن وَلَا يُدْرِكهُ اللَّمْس فيوجع. وَرُبمَا كَانَ فِي ذَات الكبد إسهال يشبه غسالة اللَّحْم الطري لضعف الْقُوَّة وَإِذا كَانَ الورم فِي الحدبة أحسّ بِهِ فِي اللَّمْس كثيرا وَإِن كَانَ فِي التقعير كشف عَنهُ التنفس المستعصي إِذا دلّ على شَيْء ثقيل معلّق وضيق النَّفس فِي ذَات الكبد متشابه فِي الْأَوْقَات غير شَدِيد جدا وَأما الْمَجْنُون فسعاله نافث ووجعه ناخس وبوله أحسن قواماً ولونه أحسن مَا يكون وضيق نَفسه أشدّ وَهُوَ ذَاهِب إِلَى الازدياد على الِاتِّصَال حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ فِي كلّ سِتّ سَاعَات تفَاوت فِي الازدياد كثير. وَالْفرق بَينه وَبَين ذَات الرئة أَيْضا هُوَ أَن نبض ذَات الرئة موجي ووجعه ثقيل وضيق نَفسه أشدّ وَنَفسه أسخن وعلامات أُخْرَى وَلما كَانَ ذَات الْجنب قد تعرض مَعَه أَعْرَاض السرسام الْمُنكرَة مثل اخْتِلَاط الدّهن والهذيان وتواتر النَّفس والخفقان والغشي وَمَا هُوَ دون ذَلِك وصعوبة الكرب وَشدَّة الضجر وشدّة الْعَطش وتغيّر السحنة إِلَى ألوان مُخْتَلفَة وشدّة الحمّى وقيء المرارة وَالسَّبَب فِي هَذِه الْأَعْرَاض مُشَاركَة الصَّدْر للأعضاء الرئيسية ومجاورتها وَجب أَن نفرق بَين الْأَمريْنِ أَعنِي البرسام والسرسام. فَمن الفروق أَن اخْتِلَاط الدّهن يعرض فِي السرسام أَولا ثمَّ تشتدّ فِيهِ سَائِر الْأَعْضَاء وَيكون التنفس فِيهِ أسلم ويتأخر فَسَاد النَّفس عَن الِاخْتِلَاط وَيكون مَعَه أعراضه الْخَاصَّة كحمرة الْعَينَيْنِ وانجذابهما إِلَى فَوق. وَأما فِي البرسام فَيتَأَخَّر اخْتِلَاط الذِّهْن وَرُبمَا لم يكن إِلَى قرب الْمَوْت بل كَانَ عقل سليم وَلكنه يتقدّمه فِيهِ تغير النَّفس وسوءه وَيكون فِي الأولى تمدّد فِي المراق إِلَى فَوق كَأَنَّهُ ينجذب إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>