للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَسْبَاب هَذَا الامتلاء: إِمَّا نزلة تصبّ الْمَادَّة دفْعَة أَو قُرُوح فِي الرئة تسيل مِنْهَا مُدَّة صديدية فينتفح بعد عشْرين يَوْمًا فِي الْأَكْثَر ثمَّ ينفث وَإِمَّا انفجار ورم فِي نواحي الصَّدْر وَهُوَ الْأَكْثَر وَيكون ذَلِك إِمَّا مُدَّة نضيجة وَإِمَّا شَيْئا كالدردي. وأحوال ذَلِك أَرْبَعَة فَإِنَّهُ: إِمَّا يَحِيق بِالْكَثْرَةِ ليقْتل وَيظْهر ذَلِك بِأَن يَأْخُذ نَفسه يضيق وَلَا ينفث وَإِمَّا أَن تعفن الرئة فيوقع فِي السل وَإِمَّا أَن يستنقي بالنفث المتدارك السهل وَإِمَّا أَن يستنقي باندفاع من طَرِيق الْعرق الْعَظِيم والشريان الْعَظِيم إِلَى المثانة بولاً غليظاً وَيكون سلوكه أَولا من الوريد إِلَى الكبد ثمَّ إِلَى الْكُلية وَقد يرد إِلَى الأمعاء برازاً وهما محمودان وَقد سلف منا كَلَام فِي ذكر مُدَّة الانفجار. وَيعرف ذَلِك بِحَسب قوّة العلامات وبحسب السن والفصل والمزاج. والمشايخ يهْلكُونَ فِي التقيح أَكثر من الشَّبَاب لضعف نَاحيَة قُلُوبهم والشباب يهْلكُونَ فِي الأوجاع أَكثر من الْمَشَايِخ لشدَّة حسهم. وَقد ذكرنَا عَلَامَات التقيّح فِي بَاب عَلَامَات انفعالات ذَات الْجنب وَكَذَلِكَ عَلَامَات الانفجار. وَأما عَلَامَات امتلاء فضاء الصَّدْر من الْقَيْح فثقل وسعال يَابِس مَعَ بهر ووجع. وَرُبمَا كَانَ فِي كثير مِنْهُم سعال رطب يحِيل حفة من النفث وَيكون نفسهم مُتَتَابِعًا وَلذَلِك يكون كَلَامهم سَرِيعا وتتحرك وترات أنوفهم إِلَى الانضمام عِنْد التنفس وتلزمهم حمّى دقية إِلَى الإستسقاء. وَأما عَلامَة الْجِهَة الَّتِي فِيهَا الْمدَّة فتعرف بِأَن يضطجع العليل مرّة على جنب وَمرَّة على آخر والجانب الَّذِي يتَعَلَّق عَلَيْهِ ثقل ضاغط هُوَ الْجَانِب الْمُقَابل لموْضِع الْمدَّة وَيعرف من صَوت الْمدَّة ورجرجتها وخضِخضتها. وَمن النَّاس من يضع على الصَّدْر وجوانبه خرقَة كتَّان مغموسة فِي طير أَحْمَر مداف فِي المَاء ويتفقد الْموضع الَّذِي يجفّ أَولا فَهُوَ مَوضِع الْقَيْح. وَأما عَلَامَات الانفجار السَّلِيم فَأن يكون الانفجار يعقبه سُكُون الْحمى ونهوض الشَّهْوَة وسهولة النفث والتنفس أَو تحدث مَعَه خراجات فِي الْجنب أَو نَوَاحِيهَا تصير نواصير وَكَذَلِكَ الَّذِي يكون مِنْهُم أَو يبط فَتخرج مِنْهُ مُدَّة نقية بَيْضَاء. وَأما عَلَامَات الرَّدِيء فَأن تظهر عَلَامَات الاختناق والغشي أَو النفث الرَّدِيء أَو السل. وَإِذا كوي أَو بط خرجت مِنْهُ مُدَّة حميّة مُنْتِنَة. وَأما العلامات المفرّقة بَين الْمدَّة وَبَين البلغم فِي النفث فَهِيَ رسوب مُدَّة النفث فِي المَاء وإنتانها على النَّار والبلغم طَاف فِي المَاء غير منتن على النَّار على أَن الْمدَّة قد تنفث فِي غير السل على مَا بَيناهُ فِي مَوضِع متقدّم. وَقد ينفث المتقيح شَيْئا كثيرا جدا وَقد رَأَيْت من نفث فِي سَاعَة وَاحِدَة قَرِيبا من منوين بالصغير أَو منا وَأكْثر من نصف وجالينوس شهد بِأَنَّهُ رُبمَا قذف المتقيح كل يَوْم قَرِيبا من خمسين أُوقِيَّة وَهُوَ قريب من تسع قوطولات.

<<  <  ج: ص:  >  >>