وَقد عرفت الْفرق بَين الْمدَّة وَبَين الرطوبات الْأُخْرَى فَإِن الْمدَّة تتَمَيَّز بالنتن عِنْد النفث وَعند الْإِلْقَاء على النَّار وترسب وَلَا تطفو. وَأما عَلَامَات انْتِقَال التقيح إِلَى السل فكمودة اللَّوْن وامتداد الجبين والعنق وتسخّن الْأَصَابِع كلهَا سخونة لَا تفارق حَتَّى فِيمَن عَادَة أَطْرَافه أَن تبرد فِي الحميات وَحمى تزيد لَيْلًا بِسَبَب الْغذَاء وتعقف من الْأَظْفَار لذوبان اللَّحْم تحتهَا وتدسّم من الْعَينَيْنِ مَعَ ضرب من الْبيَاض والصفرة وعلامات أُخْرَى سنذكرها فِي بَاب السلّ. فصل فِي قُرُوح الرئة والصدر وَمِنْهَا السل هَذِه القروح إِمَّا أَن تكون فِي الصَّدْر وَإِمَّا أَن تكون فِي الْحجاب وَإِمَّا أَن تكون فِي الرئة وَهَذَا الْقسم الْأَخير هُوَ السل وَإِمَّا أَن تكون فِي القصبة وَقد ذَكرنَاهَا. وَأسلم هَذِه القروح قُرُوح الصَّدْر وَذَلِكَ لِأَن عروق الصَّدْر أَصْغَر وأجزاؤه أَصْلَب فَلَا يعظم فِيهَا الشَّرّ وَلِأَن الصديد لَا يبْقى فِيهَا بل يسيل إِلَى فضاء الصَّدْر وَلَيْسَ كَذَلِك حَال الرئة وَلِأَن حركته غير قَوِيَّة محسوسة كحركة الرئة بل يكَاد أَن يكون سَاكِنا لِأَنَّهُ لحمي واللحمي أقبل للالتحام. وَكَثِيرًا مَا يعرض لقروح الصَّدْر الكائنة عَن خراجات متعفنة أَن تفْسد الْعِظَام حَتَّى يحْتَاج إِلَى قطع العفن فِيهَا ليسلم مَا يجاوره وَرُبمَا تعدى العفن إِلَى الْأَجْزَاء العصبية فَلَا يلتحم وَإِمَّا أَن يَقع فِي الْأَجْزَاء اللحمية فيلتحم أَن تدورك فِي الِابْتِدَاء وَلم يتْرك أَن يرم. وَأما إِذا تورمت أَو أزمنت فَلَا تَبرأ. وَأما قُرُوح الرئة فقد اخْتلفت الْأَطِبَّاء فِي أَنَّهَا تَبرأ أَو لَا تَبرأ فَقَالَ قوم: إِنَّهَا لَا تَبرأ البتّة لِأَن الالتحام يفْتَقر إِلَى السّكُون وَلَا سُكُون هُنَاكَ. وجالينوس يخالفهم وَيَزْعُم أَن الْحَرَكَة وَحدهَا تمنع الالتحام إِن لم تنصف إِلَيْهَا سَائِر الْمَوَانِع وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن الْحجاب أَيْضا متحرّك وَمَعَ ذَلِك فقد تَبرأ قروحه. وَأما جالينوس نَفسه فَإِن قَوْله فِي قُرُوح الرئة هُوَ أَنَّهَا إِن عرضت عَن انحلال الْفَرد لَيْسَ عَن ورم أَو عَن تأكّل من خلط أكّال بل لَعَلَّه أُخْرَى فَمَا دَامَ جرحه لم يتقيّح بعد وَلَا تورم فَإِنَّهُ قَابل للبرء وَكَذَلِكَ مَا كَانَ من القروح الَّذِي يحدث فِيهَا نفث وَلم تتقيّح وَمَا كَانَ عَن ورم أَو تأكّل لم يقبل الْبُرْء لِأَن القرحة المنضجة المتقيّحة حِينَئِذٍ لَا يُمكن أَن تَبرأ إِلَّا بتنقية الْمدَّة وَذَلِكَ بالسعال. والسعال يزِيد فِي توسّع القرحة وخرقها والدغدغة الكائنة مِنْهَا تزيد فِي الوجع والوجع يزِيد فِي جذب الْموَاد إِلَى النَّاحِيَة والأدوية المجففة مَانِعَة النفث والمنقّية مرطبة ملينة للقرحة والكائنة عَن خلط أكّل لَا تَبرأ دون إِصْلَاحه وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا فِي مُدَّة يجب فِي مثلهَا إِمَّا تخرق القرحة ومصيرها ناصوراً لَا تلتحم الْبَتَّةَ وَإِمَّا سعتها حَتَّى يتأكّل جُزْء من الرئة والكائنة بعد ورم فقد يجْتَمع فِيهَا هَذِه الْمعَانِي وَمن المعاون على صعوبة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute