للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقلب قوّة بخاصية فِيهَا حَتَّى يكون الدَّوَاء الْمُسْتَعْمل فِي استفراغ الْخَلْط القلبي مشوباً بِهِ أدوية ترياقية بادزهرية مُنَاسبَة للقلب. وَقد ينفع كثير من هَذِه الْأَدْوِيَة بل أَكْثَرهَا مَنْفَعَة من جِهَة أُخْرَى وَذَلِكَ لِأَنَّهَا أَيْضا تنفذ الْأَدْوِيَة المستفرغة إِلَى الْقلب صارفة إِيَّاهَا عَن غَيره. وَأما تَبْدِيل المزاج فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يتَوَجَّه التَّدْبِير نَحْو تَبْدِيل بَارِد أَو تَبْدِيل حَار أَو تَبْدِيل رطب أَو تَبْدِيل يَابِس. فَإِذا أردنَا أَن نبدل مزاجاً بَارِدًا اجترأنا على ذَلِك بالأدوية الحارة مخلوطة بالأدوية القلبية الحارة مَعَ مراعاتنا أَن لَا يَقع مِنْهَا تَحْرِيك عنيف لخلط فِي الْقلب بِحَيْثُ يمدد جرم الْقلب تمديد ريح أَو تمديد مارة مورمة وَغير ذَلِك. وَأما إِن أردنَا أَن نبدل مزاجاً حاراً فَلَا نجسر على الِاقْتِصَار على المبرّدات فَإِن الْجَوْهَر الَّذِي خلق الْقلب لأَجله - وَهُوَ الرّوح المصبوب فِيهِ - جَوْهَر حَار وحرارة غريزية غير الحرارات الضارة بِالْبدنِ وَأَنه يعرض لَهُ من سوء مزاج الْقلب إِذا كَانَ حاراً أَن يقل ويتحلّل وَأَن يتدخن ويتكدر. فَإِذا ورد على جرم الْقلب مَا يطفئه وَلم يكن مخلوطاً بالأدوية الحارة الَّتِي من شَأْنهَا أَن تقَوِّي الْحَار الغريزي لأجل ذَلِك بحرارتها بل بخاصيتها المصاحبة لحرارتها أمكن أَن يضر بِالْأَصْلِ أَعنِي الرّوح وَإِن نفع الْفَرْع وَهُوَ جرم الْقلب مِمَّا ينفع فِيهِ تَعْدِيل حرارة جرم الْقلب إِذا أحس مَعَه حرارة الرّوح فَلذَلِك لَا تَجِد الْعلمَاء الأقدمين يحلّون معالجة سوء المزاج الْحَار الَّذِي فِي الْقلب وَمَا يعرض لَهُ عَن خلط الْأَدْوِيَة الْبَارِدَة بقلبية حارة ثِقَة بِأَن الطبيعة إِن كَانَت قَوِيَّة ميزت بَين المبرّد والمسخّن فَحملت بالمبردات على الْقلب وحملت الحارة القلبية إِلَى الرّوح فيعدل ذَلِك هَذَا. وَإِن وجدوا دَوَاء معتدلاً يفعل تَقْوِيَة الرّوح بالخاصية أَو قَرِيبا من الِاعْتِدَال كلسان الثور اشتدت استعانتهم بِهِ. وَأما إِن كَانَت الطبيعة ضَعِيفَة لم ينفع تَدْبِير وَقد يحوجهم إِلَى اسْتِعْمَال الْأَدْوِيَة الحارة القلبية مَا يعلمونه من ثقل جَوَاهِر أَكثر الْأَدْوِيَة الْبَارِدَة القلبية وَقلة نفوذها وميلها بالطبع إِلَى الثَّبَات دون النَّفاذ فيحوجهم ذَلِك إِلَى خلط الْأَدْوِيَة القلبية الحارة النافذة بهَا لتستعين الطبيعة على سوق تِلْكَ إِلَى الْقلب مثل مَا يخلطون الزَّعْفَرَان بِسَائِر أخلاط أَقْرَاص الكافور فَإِن سَائِر الأخلاط تتبذرق بِهِ إِلَى الْقلب ثمَّ للقوة الطبيعية أَن تصدّه عَن الْقلب لَهُ وتشغله بِالروحِ من الْقلب وتستعين بالمبردات على تَعْدِيل المزاج فَإِن هَذَا أجدى عَلَيْهَا من أَن تسْتَعْمل مبردات صرفة ثمَّ تقف فِي أول المسلك وتأبى أَن تنفّذ. وَالَّذين أسقطوا الزَّعْفَرَان من أَقْرَاص الكافور مستدركين على الْأَوَائِل فقد جعلُوا أَقْرَاص الكافور قَلِيل الْغذَاء وهم لَا يَشْعُرُونَ. ثمَّ المزاج الْحَار يعالج بسقي ربوب الْفَوَاكِه وخصوصاً مَاء التفاح الشَّامي والسفرجل فَإِنَّهَا نعم الدَّوَاء وَبِمَا يُشبههُ مِمَّا سَنذكرُهُ وبأطلية وأضمدة

<<  <  ج: ص:  >  >>