وَكَثِيرًا مَا يخلص الْقَيْء من الفواق المبرح. وَمن اسْتعْمل الْقَيْء باعتدال صان بِهِ كِلاه وعالج بِهِ آفاتها وآفات الرجل وشفي انفجار الْعُرُوق من الأوردة والشرايين. ويستحبّ أَن يسْتَعْمل فِي الشَّهْر مرَّتَيْنِ. وَأفضل أَوْقَات الْقَيْء مَا يكون بعد الْحمام وَبعد أَن يُؤْكَل بعده ويتملأ. وَقد استقصينا القَوْل فِي هَذَا فِي الْكتاب الأول. والمعدة الضعيفة كلما اغتذت عرض لَهَا غثيان وتقلّب نفس وَإِن كَانَت أَضْعَف يَسِيرا لم تقدر على إمْسَاك مَا نالته بل دَفعته إِلَى فَوق أَو إِلَى تَحت. وَضعف الْمعدة قد يكون من أَصْنَاف سوء المزاج. وَأَنت تعلم أَن من أَسبَاب بعض أَصْنَاف سوء المزاج مَا يجمع إِلَيْهِ تَحْلِيل الرّوح مثل الإسهال الْكثير وخصوصاً من الدَّم. وَأَنت تعلم أَن من المضعّفات الأوجاع الشَّدِيدَة والغموم وَالصَّوْم والجوع الشَّديد فَهِيَ أَيْضا من أَسبَاب الْقَيْء على سَبِيل إِدْخَال ضعف على الْمعدة. والمعدة الوجعة أَيْضا فَإِنَّهَا سَرِيعا مَا تتقيأ الطَّعَام وتدفعه. وَمن يتواتر عَلَيْهِ التخم وَالْأكل على غير حَقِيقَة الْجُوع الصَّادِق فَإِنَّهُ يعرض لَهُ أَولا إِذا أكل حرقة شَدِيدَة جدا لَا تطاق ثمَّ يؤل أمره إِلَى أَن يقذف كلما أكله. وأردأ الْقَيْء مَا يكون قيأ للدم الْأَعْلَى الْوَجْه الَّذِي سَنذكرُهُ حِين يكون دَلِيلا على قُوَّة الطبيعة ويليه قيء السَّوْدَاء. وَالسَّبَب فِي هَذِه الرداءة أَن هذَيْن لَا يتولّدان فِي الْمعدة بل إِنَّمَا يندفعان إِلَيْهَا من مَكَان بعيد وَمن أَعْضَاء أُخْرَى ويدلّ على آفَة فِي تِلْكَ الْأَعْضَاء وعَلى مُشَاركَة من الْمعدة وإذعان لَهَا إِلَى أَن يضعفها أَو يدلّ قيء الدَّم خَاصَّة على حَرَكَة مِنْهُ خَارِجَة عَن الْوَاجِب. وحركة الدَّم إِذا خرجت عَن الْوَاجِب أنذرت بِهَلَاك. والقيء الصّرْف الرَّدِيء. أما الصفراوي فَيدل على إفراط حرارة وَأما البلغمي فَيدل على إفراط برد ساذج صرف. والقيء الْمُخْتَلف الألوان أردؤها الْأسود والزنجاري. والكراثي رَدِيء لما يدلّ على اجْتِمَاع أخلاط رَدِيئَة وَمن التَّرْكِيب الرَّدِيء أَن يكون فَم الْمعدة منقلباً متغيباً وَتَكون الطبيعة ممسكة فَمَا يسكن الْقَيْء يزِيد فِي إمْسَاك الطبيعة وَمَا يحل الطبيعة يزِيد فِي الْقَيْء إِلَّا أَن يكون المغثي خلطاً رَقِيقا أَو مرارياً فيعالج فِي الْحَال بِمَاء الإجاص وَالتَّمْر هندي وَنَحْوهمَا فينفع من الْأَمريْنِ جَمِيعًا. وَمن النَّاس من لَا يزَال يَشْتَهِي الطَّعَام وَمَا يمتلئ مِنْهُ يقذفه أَو يزلقه إِلَى أَسْفَل ثمَّ يعاود وَلَا يزَال ذَلِك ديدنه وَهُوَ يعِيش عَيْش الأصحاء كَأَن ذَلِك لَهُ أَمر طبيعي وَهَهُنَا طَائِر يصيد الْجَرَاد. وَلَا يزَال يَأْكُل الْجَرَاد ويذرقه وَلَا يشْبع دهره مَا وجده وحيوانات أُخْرَى بِهَذِهِ الصّفة وَمن النَّاس من إِذا تنَاول ظن أَنه إِن تحرّك قذف أَو إِن غضب أَو كلّم أَو حرّك حَرَكَة نفسانية قذف. وَالسَّبَب فِي ذَلِك مِمَّا علمت وَأسلم الْقَيْء هُوَ الْمَخْلُوط الْمُتَوَسّط فِي الغلظ والرقة من أخلاط مَا هُوَ لَهَا الْمُعْتَاد كالبلغم والصفراء. فَأَما الكرّاثي من الْأَمْرَاض فدليل شرّ. والأخضر إِلَى السوَاد كاللازوردي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute