بِحَسب اخْتِلَاف مَا مِنْهُ تتولد وَاخْتِلَاف مَا فِيهِ تتولد. أما اخْتِلَاف مَا مِنْهُ تتولد فَلِأَن بَعْضهَا يتَوَلَّد عَن رُطُوبَة لم يستول عَلَيْهَا الانقسام والتفرق من جِهَة جذب الكبد وَمن جِهَة شدّة العفونة. وَبَعضهَا يتَوَلَّد عَن رُطُوبَة فرّقها وقللها وصغرها جذب الكبد الْمُتَّصِل والعفونة وَكَثْرَة مخاوضة الثفل وَإِذا تولدت أعَان على نقائها صَغِيرَة إِخْرَاج الثفل لَهَا قبل أَن تعظم لقربها من مخرج ضيق. وَبَعضهَا يتَوَلَّد عَن رُطُوبَة بَين الرطوبتين فَمَا كَانَ من الرُّطُوبَة فِي الأمعاء الْعَالِيَة يكون من قبيل الرُّطُوبَة الْمَذْكُورَة أَولا وَمَا كَانَ من الرُّطُوبَة فِي المعي الْمُسْتَقيم كَانَ من الرُّطُوبَة الْمَذْكُورَة ثَانِيًا وَمَا كَانَ فِي الْأَعْوَر وَمَعِي قولون فَهُوَ من قبيل الرُّطُوبَة الْمَذْكُورَة ثَالِثا. فالطوال من قبيل الأول وَرُبمَا بلغت قدر ذِرَاع والمستديرة والعراض من قبيل الثَّالِث وَإِن كَانَت قد تتولد أَيْضا فِي الأمعاء الْعليا خُصُوصا الْغِلَاظ الْعِظَام مِنْهَا وَرُبمَا لم تتولد إِلَّا فِي قولون والأعور ثمَّ انتشرت من جَانب إِلَى المقعدة وَمن جَانب إِلَى الْمعدة. وَالصغَار من قبيل الثَّانِي. وَهَذِه العراض والمستديرة كَأَنَّهَا تتولّد من نفس اللزوجات المتشبثة بسطح المعي وَيجْرِي عَلَيْهَا غشاء مخاطي يجنها كَأَنَّهَا مِنْهُ تتولد وَفِيه تعفن. وأقلها ضَرَر الصغار لِأَنَّهَا صغَار وَلِأَنَّهَا بعيدَة عَن الْأُصُول وَلِأَنَّهَا بِعرْض الاندفاع بثفل قوي كثيف لَكِنَّهَا - إِن عظمت وَاتفقَ لَهَا أَن بقيت مُدَّة تعظم فِيهَا - كَانَت شرّ الْجَمِيع لِأَنَّهَا من شرّ مَادَّة. ثمَّ الطوَال فَإِنَّهَا لَيست فِي رداءة العراض لِأَن مادتها أَي مَادَّة العراض أَشد عفونة. والعراض وَالصغَار أَكثر خُرُوجًا من المقعدة للقرب مِنْهَا وللضعف فَلَا تَسْتَطِيع أَن تتشبّث بالمعي تشبّث الطوَال. وكما أَن الطوَال أَشد تشبّثاً فَإِن الصغار أسهل اندفاعاً. وِاذا كَانَ بِصَاحِب الديدان حمّى كَانَت الأعراضى قَوِيَّة خبيثة لِأَن الحقى تبيد غذاءها فتتحرك لطلبه وتتشبث بالمعي وَلِأَن الْحمى تؤذيها فِي جوهرها وتقلقها وَلِأَن الحمّى تزيد طبيعتها عفونة وحدة وقلقاً وَلِأَن المرار إِذا انصب إِلَيْهَا هِيَ الْحمى آذاها فَإِذا التوت هِيَ فِي الأمعاء ولذعتها آذت أَذَى شَدِيدا. وَقد حكى بَعضهم أَنَّهَا ثقبت الْبَطن وَخرجت مِنْهُ وَذَلِكَ عِنْدِي عَظِيم. وَكَذَلِكَ يرْتَفع مِنْهَا أبخرة رَدِيئَة إِلَى الدِّمَاغ فتؤذي وَرُبمَا كَانَ احتباسها فِي الأمعاء وإحداثها للعفونات سَببا للحمى وَلَيْسَ حَالهَا فِي أَنَّهَا ينْتَفع بهَا فِي تنقية الأمعاء الِانْتِفَاع بالديدان وَنَحْوهَا فِي تنقية عفونات الْعَالم لِأَن الأمعاء لَهَا منق دَافع من الطباع وَلِأَن نِسْبَة مَا يتولّد من هَذِه إِلَى العفونات الَّتِي فِي الأمعاء الفاضلة عَن دفع الطبيعة أعظم من نِسْبَة الديدان وَنَحْوهَا إِلَى هَوَاء الْعَالم وأرضه وَلِأَن هَذِه تتولد مِنْهَا آفاات آخرى من سَبِيلهَا الْمُحْتَاج إِلَيْهِ من الْغذَاء وَمن مضاد حركاتها وَمن إحداثها القولنج وَمن مضادة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute