والشرايين وَنَحْوهَا. وَرُبمَا وجد مِنْهَا شَيْء كثير مبثوث فِي الْعُرُوق قد سبق إِلَيْهِ الهضم الرَّابِع وَبَقِي أَن تغتذي بِهِ الْعُرُوق أَو تصل إِلَى الْأَعْضَاء المجانسة فتغتذي بِهِ من غير احْتِيَاج إِلَى كثير تَغْيِير وَلذَلِك يُؤَدِّي الْمَنِيّ مِنْهُ إِلَيْهِ. وَعند جالينوس والأطباء أَن للذّكر وَالْأُنْثَى جَمِيعًا زرعا يُقَال عَلَيْهِ اسْم الْمَنِيّ فيهمَا لَا باشتراك الآسم بل بالتواطؤ أَو فِي كل وَاحِد من الزرعين قُوَّة التَّصْوِير والتصور مَعًا لَكِن زرع الذّكر أقوى فِي الْقُوَّة الَّتِي مِنْهَا مبدأ التَّصْوِير بِإِذن الله تَعَالَى وَزرع الْأُنْثَى أَكثر فِي الْقُوَّة الَّتِي عَنْهَا مبدأ التَّصَوُّر وَأَن مني الذّكر يندفق فِي قرن الرَّحِم فيبلغه فَم الرَّحِم بجذب شَدِيد وَأَن مني الْأُنْثَى يندفق من دَاخل رَحمهَا من أوعية وعروق إِلَى مَوضِع الْحَبل. وَأما الْعلمَاء الْحُكَمَاء فَإِذا حصل مَذْهَبهم كَانَ محصوله أَن مني الذّكر فِيهِ مبدأ التصرير وَأَن مني الْأُنْثَى فِيهِ مبدأ التَّصَوُّر فِي الْأَمر الْخَاص بِهِ. فَأَما الْقُوَّة المصورة فِي مني الذّكر فتنزع فِي التَّصْوِير إِلَى شبه مَا انفصلت عَنهُ إِلَّا أَن يكون عائق ومنازع وَالْقُوَّة المتصوّرة فِي مني الْأُنْثَى تنْزع فِي قبُول الصُّورَة إِلَى أَن تقبلهَا على شبه بِمَا انفصلت عَنهُ وَأَن اسْم الْمَنِيّ إِذا قيل عَلَيْهِمَا كَانَ بإشتراك الإسم إِلَّا أَن يتحمّل معنى جَامع وَيُسمى لَهُ الشَّيْء منياً. وَأما فِي الْمَعْنى الَّذِي يُسمى بِهِ دفق الرجل منياً فَلَيْسَ دفق الْأُنْثَى منياً. وبالحقيقة فَإِن مني الرجل حَار نضيج ثخين ومني الْمَرْأَة من جنس دم الطمث نضيج يَسِيرا واستحال قَلِيلا وَلم يبعد عَن الدموية بعد مني الرجل فَلذَلِك يُسَمِّيه الفيلسوف الْمُتَقَدّم طمثاً. وَيَقُولُونَ أَن مني الذّكر إِذا خالط فعل بقوته وَلم يكن لجرميته كَبِير مدْخل: فِي تَقْوِيم جرمية بدن الْمَوْلُود فَإِن ذَلِك من مني الْأُنْثَى وَمن دم الطمث بل أَكثر عنائه فِي جرمية روح الْمَوْلُود وَإِنَّمَا هُوَ كالأنفحة الفاعلة فِي اللَّبن. وَأما مني الْأُنْثَى فَهُوَ الأس لجرمية بدن الْمَوْلُود وكل وَاحِد مِنْهُمَا يغزره مَا يُولد دَمًا حاراً رطبا روحياً. وَأما معرفَة صِحَة أحد المذهبين فَهُوَ إِلَى الْعَالم الطبيعي وَلَا يضر الطَّبِيب الْجَهْل بِهِ. وَقد شرحنا الْحَال فِيهِ فِي كتبنَا الْأَصْلِيَّة. وأبقراط يَقُول مَا مَعْنَاهُ أَن جُمْهُور مَادَّة الْمَنِيّ هُوَ من الدِّمَاغ وَأَنه ينزل فِي العرقين اللَّذين خلف الْأُذُنَيْنِ وَلذَلِك يقطع فصدهما النَّسْل وَيُورث الْعقر وَيكون دَمه لَبَنًا ووصلا بالنخاع لِئَلَّا يبعدا من الدِّمَاغ وَمَا يُشبههُ مَسَافَة طَوِيلَة فيتغير مزاج ذَلِك الدَّم ويستحيل بل يصبَّانِ إِلَى النخاع ثمَّ إِلَى الْكُلية ثمَّ الى الْعُرُوق الَّتِي تَأتي الْأُنْثَيَيْنِ. وَلم يعرف جالينوس هَل يُورث قطع هذَيْن العرقين الْعقر أم لَا وَأَنا أرى أَن الْمَنِيّ لَيْسَ يجب أَن يكون من الدِّمَاغ وَحده وَإِن كَانَت خميرته من الدِّمَاغ وصحّ مَا يَقُوله أبقراط من أَمر العرقين بل يجب أَن يكون لَهُ من كل عُضْو رَئِيس عين وَأَن تكون الْأَعْضَاء الآخرى ترشح أَيْضا إِلَى هَذِه الْأُصُول وَبِذَلِك يكون الشّبَه وَلذَلِك يتَوَلَّد من الْعُضْو النَّاقِص عُضْو نَاقص وَأَن ذَلِك لَا يكون مالم تتسع الْعُرُوق بالإدراك وَلم تنهض الشَّهْوَة الْبَالِغَة بالنضج التَّام والمني رُبمَا تَدْفَعهُ ريح تخالطه وَلَا بُد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute