للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأما الْخَامِس: فَهُوَ جنس الدَّلَائِل الْمَأْخُوذَة من هَيْئَة الْأَعْضَاء فَإِن المزاج الْحَار يتبعهُ سَعَة الصَّدْر وَعظم الْأَطْرَاف وتمامها فِي قدورها من غير ضيق وَقصر وسعة الْعُرُوق وظهورها وَعظم النبض وقوته وَعظم العضل وقربها من المفاصل لِأَن جَمِيع الأفاعيل النسبية والهيئات التركيبية يتم بالحرارة. والبرودة يتبعهَا أضداد هَذِه لقُصُور القوى الطبيعية بِسَبَبِهَا عَن تتميم أَفعَال الانشاء والتخليق. والمزاج الْيَابِس يتبعهُ قشف وَظُهُور مفاصل وَظُهُور الغضاريف فِي الحنجرة وَالْأنف وَكَون الْأنف مستوياً. وَأما السَّادِس: فَهُوَ جنس الدَّلَائِل الْمَأْخُوذَة من سرعَة انفعال الْأَعْضَاء فَإِنَّهُ إِن كَانَ الْعُضْو يسخن سَرِيعا بِلَا معاسرة فَهُوَ حَار المزاج إِذْ الاستحالة فِي الْجِنْس الْمُنَاسب تكون أسهل من الاستحالة إِلَى المضادة وَإِن كَانَ يبرد سَرِيعا فَالْأَمْر بالضد لذَلِك بِعَيْنِه فَإِن قَالَ قَائِل: إِن الْأَمر يجب أَن يكون بالضد فَإنَّا نَعْرِف يَقِينا أَن الشَّيْء إِنَّمَا ينفعل عَن ضِدّه لَا عَن شبهه وَهَذَا الْكَلَام الَّذِي قَدمته يُوجب أَن يكون الإنفعال من الشّبَه أولى. وَالْجَوَاب عَن هَذَا أَن الشبيه الَّذِي لَا ينفعل عَنهُ هُوَ الَّذِي كيفيته وَكَيْفِيَّة مَا هُوَ شَبيه بِهِ وَاحِدَة فِي النَّوْع والطبيعة. والأسخن لَيْسَ شَبِيها بالأبرد بل السخينان واحدهما أسخن يَخْتَلِفَانِ فَيكون الَّذِي لَيْسَ بأسخن هُوَ بِالْقِيَاسِ إِلَى الأسخن بَارِدًا فينفعل من حَيْثُ هُوَ بَارِد بِالْقِيَاسِ إِلَيْهِ لَا حَار وينفعل أَيْضا عَن الْأَبْرَد مِنْهُ وَعَن الْبَارِد إِلَّا أَن أَحدهمَا ينمّي كيفيته ويعيّن أقوى مَا فِيهِ وَالْآخر ينقص كيفيته فَيكون استحالته إِلَى مَا ينمي كيفيته ويعين أقوى مَا فِيهِ أسهل. على أَن هَهُنَا شَيْئا اَخر يختصّ بِبَعْض مَا يُشَارِكهُ فِي الْكَيْفِيَّة وَهُوَ نَاقص فِيهَا مثل أَن الْحَار المزاج فِي طبعه إِنَّمَا يسْرع قبُوله لتأثير الْحَار فِيهِ لما يبطل الْحَار من تَأْثِير الضدّ الَّذِي هُوَ الْبرد المعاوق لما ينحوه المزاج الْحَار من زِيَادَة تسخين فَإِذا التقيا وَبَطل الْمَانِع تعاونا على التسخين فَيتبع ذَلِك التعاون اشتداد تَامّ من الكيفيتين. وَأما إِذا حاول الْحَار الْخَارِجِي أَن يبطل الِاعْتِدَال فَإِن الْحَار الغريزي الدَّاخِل أَشد الْأَشْيَاء مقاومة لَهُ حَتَّى إِن السمُوم الحارة لَا يقاومها وَلَا يَدْفَعهَا وَلَا يفْسد جوهرها إِلَّا الْحَرَارَة الغريزية. فَإِن الْحَرَارَة الغريزية آلَة للطبيعة تدفع ضَرَر الْحَار الْوَارِد بتحريكها الرّوح إِلَى دفْعَة وتنحية بخاره وتحليله وإحراق مادته وتدفع أَيْضا ضَرَر الْبَارِد الْوَارِد بالمضادة. وَلَيْسَت هَذِه الخاصية للبروعة فَإِنَّهَا إِنَّمَا تنَازع وتعاوق الْوَارِد الْحَار بالمضادة فَقَط وَلَا تنَازع الْوَارِد الْبَارِد. والحرارة الغريزية هِيَ الَّتِي تَحْمِي الرطوبات الغريزية عَن أَن تستولي عَلَيْهَا الْحَرَارَة الغريبة فَإِن الْحَرَارَة الغريزية إِذا كَانَت قَوِيَّة تمكنت الطبيعة بتوسّطها من التصرّف فِي الرطوبات على سَبِيل النضج والهضم وحفظها على الصِّحَّة فتحرّكت الرطوبات على نهج تصريفها وامتنعت عَن التحرك على نهج تصريف الْحَرَارَة الغريبة فَلم يعفن. أما إِن كَانَت هَذِه الْحَرَارَة ضَعِيفَة خلت الطبيعة عَن الرطوبات لضعف الْآلَة المتوسطة بَينهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>