وَبَين الرطوبات فوقفت وصادفتها الْحَرَارَة الغريبة غير مَشْغُولَة بتصريف فتمكنت مِنْهَا واستولت عَلَيْهَا وحركتها حَرَكَة غَرِيبَة فَحدثت العفونة فالحرارة الغريزية آلَة للقوى كلهَا والبرودة مُنَافِيَة لَهَا لَا تَنْفَع إِلَّا بِالْعرضِ فَلهَذَا يُقَال حرارة غريزية وَلَا يُقَال برودة غريزية وَلَا ينْسب إِلَى الْبُرُودَة من كدخدائية الْبدن مَا ينْسب إِلَى الْحَرَارَة. وَأما السَّابِع: فحال النّوم واليقظة فَإِن اعتدالهما يدلّ على اعْتِدَال المزاج لَا سِيمَا فِي الدِّمَاغ وَزِيَادَة النّوم بالرطوبة والبرودة وَزِيَادَة الْيَقَظَة لليبس والحرارة خَاصَّة فِي الدِّمَاغ. وَأما الثَّامِن: فَهُوَ الْجِنْس الْمَأْخُوذ من دَلَائِل الْأَفْعَال فَإِن الْأَفْعَال إِذا كَانَت مستمرة على المجرى الطبيعي تَامَّة كَامِلَة دلّت على اعْتِدَال المزاج وَإِن تَغَيَّرت عَن جِهَتهَا إِلَى حركات مفرطة دلّت على حرارة المزاج وَكَذَلِكَ إِذا أسرعت فَإِنَّهَا تدل على الْحَرَارَة مثل سرعَة النشو وَسُرْعَة نَبَات الشّعْر وَسُرْعَة نَبَات الْأَسْنَان وَإِن تبلدت أَو ضعفت وتكاسلت وأبطأت دلّت على برودة المزاج. على أَن قد يكون ضعفها وتبلدها وفتورها وَاقعا بِسَبَب مزاج حَار إِلَّا أَنه لَا يَخْلُو مَعَ ذَلِك عَن تَغْيِير عَن المجرى الطبيعي مَعَ الضعْف وَقد يفوت بِسَبَب الْحَرَارَة أَيْضا كثيرا من الْأَفْعَال الطبيعية وَينْقص مثل النّوم فَرُبمَا بَطل بِسَبَب المزإج الْحَار أَو نقص وَلذَلِك قد يزْدَاد بعض الْأَحْوَال الطبيعية للبرد مثل النّوم إِلَّا أَنَّهَا لَا تكون من جملَة الْأَحْوَال الطبيعية مُطلقًا بل بِشَرْط وبسبب فان النّوم لَيْسَ مُحْتَاجا إِلَيْهِ فِي الْحَيَاة. وَالصِّحَّة حَاجَة مُطلقَة بل بِسَبَب تخل من الرّوح عَن الشواغل لما عرض لَهُ من التَّعَب أَو لما يحْتَاج إِلَيْهِ من الإكباب على هضم الْغذَاء لعَجزه عَن الْوَفَاء بالأمرين. فَإِذن: النّوم إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من جِهَة عجز مَا وَهُوَ خُرُوج عَن الْوَاجِب الطبيعي. وَإِن كَانَ ذَلِك الْخُرُوج طبيعياً من حَيْثُ هُوَ ضَرُورِيّ فَإِن الطبيعي يُقَال على الضَّرُورَة باشتراك الإسم. وَهَذَا الْقسم أصح دلائله إِنَّمَا هُوَ على المزج المعتدل وَذَلِكَ بِأَن تعتدل الْأَفْعَال وتتم. وَأما دلَالَته على الْحر وَالْبرد واليبوسة والرطوبة فدلالة تخمينية. وَمن جنس الْأَفْعَال القوية الدَّالَّة على الْحَرَارَة قُوَّة الصَّوْت وجهارته وَسُرْعَة الْكَلَام واتصاله وَالْغَضَب وَسُرْعَة الحركات والطرف وَإِن كَانَ قد تقع هَذِه لَا بِسَبَب عَام بل بسب خَاص بعضو الْفِعْل. وَالْجِنْس التَّاسِع: جنس دفع الْبدن للفضول وَكَيْفِيَّة مَا يدْفع فَإِن الدّفع إِذا اسْتمرّ وَكَانَ مَا يبرز من البرَاز وَالْبَوْل والعرق وَغير ذَلِك حاراً لَهُ رَائِحَة قَوِيَّة وصبغ لما لَهُ من صبغ وانشواء وانطباخ لما لَهُ انشواء وانطباخ فَهُوَ حَار وَمَا يُخَالِفهُ فَهُوَ بَارِد. وَالْجِنْس الْعَاشِر: مَأْخُوذ من أَحْوَال قوى النَّفس فِي أفعالها وانفعالاتها مثل أَن الحرد الْقوي والضجر والفطنة والفهم والإقدام والوقاحة وَحسن الظَّن وجودة الرَّجَاء والقساوة والنشاط ورجولية الْأَخْلَاق وَقلة الكسل وَقلة الإنفعال من كل شَيْء يدلّ على الْحَرَارَة وأضدادها على الْبُرُودَة. وثبات الحرد وَالرِّضَا والمتخيل وَالْمَحْفُوظ وَغير ذَلِك يدل على اليبوسة وَزَوَال الإنفعالات بِسُرْعَة يدل على الرُّطُوبَة. وَمن هَذَا الْقَبِيل الأحلام والمنامات فَإِن من غلب على مزاجه حرارة يرى كَأَنَّهُ يصطلي نيراناً أَو يشمس وَمن غلب على مزاجه برد فَيرى كَأَنَّهُ يثلج أَو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute