للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل كلي فِي السمُوم المشروبة أَصْنَاف السمُوم صنفان: فَاعل بكيفية فِيهِ وفاعل بصورته وَجُمْلَة جوهره. وَالْأول إِمَّا أكال معفن مثل الأرنب البحري وَإِمَّا ملهب مسخن مثل الأوفربيون وَإِمَّا مبرّد مخدر مثل الأفيون وَإِمَّا مسدّد لمسالك النَّفس فِي الْبدن مثل المرداسنج وَأما الْفَاعِل بجملة جوهره فَمثل البيش وَمثل الهلْهَل الَّذِي يَدعِي أَنه صمغ إِمَّا للبيش وَإِمَّا لقرون السنبل وَإِمَّا لشَيْء آخر وَمثل قُرُون السنبل وَمثل مرَارَة النمر وَمَا أشبه ذَلِك وَهَذَا شَرّ السمُوم. وَأَيْضًا فَإِن من السمُوم مَا يحمل على عُضْو وَاحِد بِعَيْنِه مثل الذراريح على المثانة والأرنب البحري على الرئة وَمِنْه مَا يحمل على جملَة الْبدن مثل الأفيون وَكلما قيل بتبديل المراج أَو بالتعفين أَو بالجمل على عُضْو فقد يجوز أَن يكون فعله بعد حِين على أَن المتعفن كلما بَقِي فِي الْبدن كَانَ فعله أردأ والسلامة مِنْهُ بتحليل يعرض لَهُ وَلما يعقبه بالعرق وَنَحْوه أَو بالعلاج الْمُقَابل لَهُ. وَاعْلَم أَن مضرَّة المخمدرات بالأمرجة الحارة من جِهَة أَضْعَف وَمن جِهَة أقوى وَأي الْجِهَتَيْنِ غلب كَانَ الحكم لَهُ فَمن حَيْثُ أَن المراج الْحَار فِي الْقلب يقاومها ففعلها أَضْعَف وَمن حَيْثُ أَنَّهَا تَجِد من الْبدن الْحَار تلطيفاً لجوهرها الْبَارِد الثقيل واجتذاباَ بِقُوَّة حَرَكَة الشريانات وجذبها عِنْد الانقباض فَتكون نكايتها فِي الْأَبدَان الحارة أشدّ لَا سِيمَا وَهِي مضادهّ لمراجها. وَيُشبه أَن يكون القَوْل فِي السمُوم الحارة هَذَا القَوْل أَيْضا فَإِن المراج الْحَار يقاومها بِالدفع عَن الْقلب وَتَحْلِيل الْقُوَّة لكنّ الشرايين من المراج الْحَار يجذبها فَيعرض مثل ذَلِك وَلذَلِك قَالَ جالينوس: أَن القونيون وَأَظنهُ البيش أَو سما قَاتلا إِنَّمَا يقتل الْإِنْسَان وَلَا يقتل الزرازير لِأَنَّهُ لَا يصل فِي الزرازير إِلَى الْقلب إِلَّا بعد مُدَّة قد انفعل فِيهَا عَن الْبدن الانفعال الَّذِي مَا بَقِي بعده إِلَّا إنفعال الاستحالة غذَاء وَفِي الْإِنْسَان يستعجل قبل ذَلِك لسعة مجاريه وَشدَّة حرارته وَقُوَّة حركات شرايينه الجاذبة. وَأَقُول هَذَا وَجه مَا لَكِن المناسبات أَيْضا بَين القوى الفاعلة والمنفعلة مِمَّا يجب أَن يُرَاعى وَمن أَيْن علم أَن القونيون سمّ بِالْقِيَاسِ إِلَى المراج العريض الذيِ للحيوان مُطلقًا إِذا تمكن حَتَّى يكون قَاتلا إِذا تمكن من مثل الْإِنْسَان غير قَاتل إِذا لم يتمكّن من مثل الزرزور فَعَسَى أَن القونيون لَيْسَ بسمّ بِالْقِيَاسِ إِلَى مراج الزرزور وَلَو لم يسْتَحل غذَاء وَوصل إِلَى قلبه وُصُوله إِلَى قلب الْإِنْسَان بسهولة لم يقتل. قَالَ: وَقد كَانَت بعض الْعَجَائِز تناولت فِي أول الْأَمر من البيش شَيْئا قَلِيلا جدا ثمَّ لم تزل تلازمه حَتَّى ألفته الطبيعة وتجرأت عَلَيْهِ وَمَا ضرّها شَيْئا وَقد حدث روفس أَنه قد يغذي الْجَارِيَة بالسمّ ليقْتل بهَا الْمُلُوك. الَّذين يباشرونها وَأَنه يبلغ مراجها مبلغا عَظِيما حَتَّى يقتل لُعَابهَا الْحَيَوَان وَلَا يقرب لُعَابهَا الدَّجَاج. قد يسْتَدلّ عَلَيْهَا بِمَا يحدث فِي الْبدن من الأوصاب فَإِن حدث شبه لذع وتقطّع ومغص وأكال عرف أَن السم من قبيل الْأَدْوِيَة الحارة الحادة الحريفة مثل: الزرنيخ والسكّ والزئبق الْمَقْتُول. وَإِن حدث التهاب شَدِيد ودرور الْعرق

<<  <  ج: ص:  >  >>