للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّعْلِيم الثَّانِي التَّدْبِير الْمُشْتَرك للبالغين وَهُوَ سَبْعَة عشر فصلا الْفَصْل الأول جملَة القَوْل فِي الرياضة لما كَانَ مُعظم تَدْبِير حفظ الصِّحَّة هُوَ أَن يرتاض ثمَّ تَدْبِير الْغذَاء ثمَّ تَدْبِير النّوم وَجب أَن نبدأ بالْكلَام فِي الرياضة فَنَقُول: الرياضة هِيَ حَرَكَة إرادية تضطر إِلَى التنفس الْعَظِيم الْمُتَوَاتر والموفق لاستعمالها على جِهَة اعتدالها فِي وَقتهَا بِهِ غناء عَن كل علاج تَقْتَضِيه الْأَمْرَاض المادّية والأمراض المزاجية الَّتِي تتبعها وتحدث عَنْهَا وَذَلِكَ إِذا كَانَ سَائِر تَدْبيره مُوَافقا صَوَابا. وَبَيَان هَذَا هُوَ أَنا كَمَا علمت مضطرون إِلَى الْغذَاء وَحفظ صحتنا هُوَ بالغذاء الملائم لنا المعتدل فِي كميته وكيفيته وَلَيْسَ شَيْء من الأغذية بِالْقُوَّةِ يَسْتَحِيل بكليته إِلَى الْغذَاء بِالْفِعْلِ بل يفضل عَنهُ فِي كل هضم فضل والطبيعة تجتهد فِي استفراغه وَلَكِن لَا يكون استفراغ الطبيعة وَحدهَا استفراغاً مُسْتَوفى بل قد يبْقى لَا محَالة من فضلات كل هضم لطخة وَأثر فَإِذا تَوَاتر ذَلِك وتكرر اجْتمع مِنْهَا شَيْء لَهُ قدر وَحصل من اجتماعه مواد فضلية ضارة بِالْبدنِ من وُجُوه. أَحدهَا: أَنَّهَا إِن عفنت أحدثت أمراض العفونة وَإِن اشتدت كيفياتها أحدثت سوء المزاج وَإِن أكثرت كمياتها أورثت أمراض الامتلاء الْمَذْكُورَة وَإِن انصبت إِلَى عُضْو أورثت الأورام. وبخاراتها تفْسد مزاج جَوْهَر الرّوح فيضطر لَا محَالة إِلَى استفراغها واستفراغها فِي أَكثر الْأَمر إِنَّمَا يتم ويجود إِذا كَانَ بأدوية سميَّة وَلَا شكّ أَنَّهَا تنهك الغريزة وَلَو لم تكن سميَّة أَيْضا لَكَانَ لَا يَخْلُو اسْتِعْمَالهَا من حمل على الطبيعة كَمَا قَالَ أبقراط أَن الدَّوَاء ينقي وينكي وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهَا تستفرغ من الْخَلْط الْفَاضِل والرطوبات الغريزية وَالروح الذى هُوَ جَوْهَر الْحَيَاة شَيْئا صَالحا وَهَذَا كُله مِمَّا يضعف قُوَّة الْأَعْضَاء الرئيسة والخادمة فَهَذِهِ وَغَيرهَا مضار الامتلاء ترك على حَاله أَو استفرغ ثمَّ الرياضة أمنع سَبَب لِاجْتِمَاع مبادىء الامتلاء إِذا أصبت فِي سَائِر التَّدْبِير مَعهَا مَعَ إنعاشها الْحَرَارَة الغريزية وتعويدها الْبدن الخفة وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تثير حرارة لَطِيفَة فتحلّل مَا اجْتمع من فضل كل يَوْم وَتَكون الْحَرَكَة مُعينَة فِي إزلاقها وتوجيهها إِلَى مخارجها فَلَا يجْتَمع على مرورة الْأَيَّام فضل يعْتد بِهِ وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهَا كَمَا قُلْنَا تنمّي الْحَرَارَة الغريزية وتصلب المفاصل والأوتار فيقوى على الْأَفْعَال فَيَأْمَن الإنفعال وَتعْتَد الْأَعْضَاء لقبُول الْغذَاء بِمَا ينقص مِنْهَا من الْفضل فتتحرك الْقُوَّة الجاذبة وَتحل العقد عَن الْأَعْضَاء فتلين الْأَعْضَاء

<<  <  ج: ص:  >  >>