فَيكون قد عممنا الْبدن بِالضَّرَرِ وَلذَلِك لَا نستفرغ من الدِّمَاغ والكبد مَا يحْتَاج أَن نستفرغه مِنْهُمَا دفْعَة وَاحِدَة وَلَا نبرّدهما تبريداً شَدِيد الْبَتَّةَ وَإِذا ضمدنا الكبد بأدوية محللة لم نخلها من قابضة طيبَة الرّيح لحفظ الْقُوَّة وَكَذَلِكَ فِيمَا نسقيه لأَجلهَا. وَأولى الْأَعْضَاء بِهَذِهِ المراعاة الْقلب ثمَّ الدِّمَاغ ثمَّ الكبد. وَالطَّرِيق الثَّانِيَة: مُرَاعَاة الْفِعْل الْمُشْتَرك للعضو وَأَن لم يكن رَئِيسا مثل الْمعدة والرئة وَلذَلِك لَا نسقي فِي الحميّات مَعَ ضعف الْمعدة مَاء بَارِدًا شَدِيد الْبُرُودَة. وَاعْلَم أَن اسْتِعْمَال المرخيّات على الرئيسة وَمَا يتلوها صرفة خطر جدا فِي الْجُمْلَة. وَالطَّرِيق الثَّالِث: مُرَاعَاة ذكاء الحسّ وكلاله فَإِن الْأَعْضَاء الذكية الْحس العصبية يجب أَن يتوقّى فِيهَا اسْتِعْمَال الْأَدْوِيَة الردية الْكَيْفِيَّة واللذاعة والمؤذية كاليتّوعات وَغَيرهَا عَلَيْهَا. والأدوية الَّتِي يتحاشى عَن اسْتِعْمَالهَا ثَلَاثَة أَصْنَاف: المحلّلات والمبرّدات بِالْقُوَّةِ وَالَّتِي لَهَا كيفيات مُخَالفَة كالزنجار وأسفيذاج الرصاص والنحاس المحرق وَمَا أشبههَا. فَهَذَا هُوَ تَفْصِيل اختبار المواء بِحَسب طبيعة الْعُضْو. وَأما مِقْدَار الْمَرَض فَإِن الَّذِي يكون مثلا حرارته العرضية شَدِيدَة فَيحْتَاج أَن تطفأ بدواء أَشد برودة وَالَّذِي يكون برودته العرضية شَدِيدَة فَيحْتَاج إِلَى أَن يسخنه أَشد تسخيناً وَإِذا لم يَكُونَا قويين اكتفينا بدواء أقل قُوَّة. وَأما وَقت الْمَرَض فَإِن نَعْرِف الْمَرَض فِي أَي وَقت من أوقاته مثلا الورم إِن كَانَ فِي الِابْتِدَاء استعملنا عَلَيْهِ مَا يردع وَحده وَإِن كَانَ فِي الْمُنْتَهى استعملنا مَا يحلل وَحده وَأما فِيمَا بَين ذَيْنك فتخلطهما جَمِيعًا. وَإِن كَانَ الْمَرَض حاداً فِي الِابْتِدَاء لطفنا التَّدْبِير تلطيفاً معتدلاً وَإِن كَانَ إِلَى الْمُنْتَهى بالغنا فِي التلطيف وَأَن كَانَ مزمناً لم نلطف فِي الإبتداء ذَلِك التلطيف عِنْد الِانْتِهَاء. على أَن كثيرا من الْأَمْرَاض المزمنة غير الحميات يحللها التَّدْبِير الملطف. وَأَيْضًا إِن كَانَ الْمَرِيض كثير الْمَادَّة هائجاً استفرغنا فِي الِابْتِدَاء وَلم نَنْتَظِر النضج وَإِن كَانَ معتدلاً أنضجنا ثمَّ استفرغنا. وَأما الِاسْتِدْلَال من الْأَشْيَاء الَّتِي تدل بملاءمتها فَهُوَ سهل عَلَيْك تعرفه والهواء من جُمْلَتهَا أولى مَا يجب أَن يُرَاعى أمره وَهل هُوَ معِين للدواء أَو للمرض. ونقول: الْأَمْرَاض الَّتِي يكون فِيهَا خطر وَلَا يُؤمن فَوت الْقُوَّة مَعَ تَأَخّر الْوَاجِب أَو التَّخْفِيف فِيهِ فَالْوَاجِب أَن يبْدَأ فِيهَا بالعلاج الْقوي أَولا وَالَّتِي لَا خطر فِيهَا يتدرّج إِلَى الْأَقْوَى إِن لم يغن الأخف. وَإِيَّاك أَن تهرب عَن الصَّوَاب لِأَن تَأْثِيره يتَأَخَّر وَأَن تقيم على الْغَلَط لِأَن ضَرَره لَا يتدبر وَمَعَ ذَلِك فَلَيْسَ يجب أَن تقيم على علاج وَاحِد بدواء وَاحِد بل تبدل الْأَدْوِيَة فَإِن المألوف لَا ينفعل عَنهُ وَلكُل بدن بل بِكُل عُضْو بل للبدن والعضو فِي وَقت دون وَقت خَاصَّة فِي الانفعال عَن دَوَاء دون دَوَاء. وَإِذا أشكلت الْعلَّة فَخَل بَينهَا وَبَين الطبيعة وَلَا تستعجل فَإِن الطبيعة إِمَّا أَن تقهر الْعلَّة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute