الممازجة لضَرُورَة الْخَلَاء وَمَا كَانَ أَيْضا للراحة وليجتمع الرّوح إِلَى نَفسه ريثما يغتذي وينمى ويزداد جوهره وينال عوض مَا تحلّل فِي الْيَقَظَة مِنْهُ وَقَرِيب من هَذَا مَا يعرض لمن شَارف الإقبال من مَرضه فَإِنَّهُ يعرض لَهُ نوم غرق فَيدل على سُكُون مَرضه لكنه لَا يدِلّ فِي الأصحّاء على خير. وَقد يعرض أَيْضا من هَذَا الْقَبِيل لمن استفرغ كثيرا بالدواء وَذَلِكَ النّوم نَافِع لَهُ رادّ لقوّته وَقد يعرض نوم لَيْسَ طبيعياً على الْإِطْلَاق وَذَلِكَ إِذا كَانَ الرُّجُوع إِلَى المبدأ لفرط تحلّل من الرّوح لَا يحْتَمل جوهره الانبساط لفقد زِيَادَته على مَا يَكْفِي الْأُصُول بِسَبَب التحلّل الْوَاقِع من الْحَرَكَة فيغور كَمَا يكون حَال التَّعَب والرياضة القوية وَذَلِكَ لإستفراغ مفرط يعرض للروح النفساني فتحرص الطبيعة على إمْسَاك مَا فِي جوهرها إِلَى أَن يلْحقهَا من الْغذَاء مدد. وَالْفرق بَين هَذَا وَبَين الَّذِي قبله كالفرق بَين طلب الْبدن الصَّحِيح للغذاء ليقوم بدل التحلّل الطبيعي مِنْهُ وَطلب الْبدن المدنف بالإسهال والنزف للغذاء فَإِن الأوّل من النومين يطْلب بدل تَحْلِيل الْيَقَظَة وَهُوَ أَمر طبيعي وَالثَّانِي يطْلب بدل تَحْلِيل التَّعَب وَهُوَ غير طبيعي. وَقد يعرض نوم غير طبيعي على الْإِطْلَاق أَيْضا وَهُوَ أَن يكون رُجُوع الرّوح النفساني عَن الْآلَات بِسَبَب مبرّد مضادّ لجوهر الرّوح إِمَّا من خَارج وَإِمَّا من الْأَدْوِيَة المبرّدة فتكتسب الْآلَات بردا منافياً لنفوذ الرّوح الحيواني فِيهَا على وَجهه أَو مخدراً للتصبّب الْحَاصِل فِيهَا من الرّوح النفساني يفْسد المزاج الَّذِي بِهِ يقبل الْقُوَّة النفسانية عَن المبدأ فَيَعُود الْبَاقِي غائراً من الضدّ ويتبلّد عَن الانبساط لبرد المزاج وَهَذَا هُوَ الخدر. وَقد يعرض أَيْضا بِسَبَب مرطّب للآلات مكدر لجوهر الرّوح سادّ لمسالكه مُرَخ لجواهر العصب والعضل إرخاء يتبعهُ سدد وانطباق فَيكون مَانِعا لنفوذ الرّوح لِأَن جَوْهَر الرّوح نَفسه قد غلظ وتكدر لِأَن الْآلَات قد فَسدتْ بالرطوبة ولاسترخائها جَمِيعًا وَهَذَا نوم السكر. وَقَرِيب من هَذَا مَا يعرض بِسَبَب التُّخمَة وَطول لبث الطَّعَام فِي الْمعدة وَهَؤُلَاء يَزُول سباتهم بالقيء. وَهَذَانِ السببان هما بعينهما سَببا أَكثر مَا يعرض من السبات إِذا استحكما وَقد يجْتَمع الْبرد والرطوبة مَعًا فِي أَسبَاب النّوم إِلَّا أَن السَّبَب المقدّم مِنْهُمَا حِينَئِذٍ يكون هُوَ الْبرد وتعينه الرُّطُوبَة كَمَا يجْتَمع فِي السهر الْحر واليبوسة وَيكون السَّبَب الْحَقِيقِيّ هُوَ الحَر وتعينه اليبوسة. وللسبات أَسبَاب أخر من ذَلِك اشتداد نَوَائِب الحمّى وإقبال الطبيعة بكنهها على الْعلَّة وانضغاطها تَحت الْمَادَّة فيتبعها الرّوح النفساني كَمَا قيل وخصوصاً إِن كَانَت مَادَّة الحمّى بلغمية بَارِدَة وَإِنَّمَا سخنت بالعفونة. وَقد يكون لرداءة الأخلاط والبخارات المتصعّدة إِلَى مقدّم الدِّمَاغ من الْمعدة والرئة فِي عللهما وَسَائِر الْأَعْضَاء. وَقد يكون من كَثْرَة الديدان وحبّ القرع وَقد يكون من انضغاط الدِّمَاغ نَفسه تَحت عظم القحف أَو صفحه أَو قشره إِذا أصَاب الدِّمَاغ ضَرْبَة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute