للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُدَّة وَإِذا دَار الرّوح تخيل للْإنْسَان أنّ الْأَشْيَاء تَدور لِأَنَّهُ سَوَاء اخْتلف نِسْبَة أَجزَاء الرّوح إِلَى أَجزَاء الْعَالم الْمُحِيط بِهِ من جِهَة الرّوح أَو اخْتلف ذَلِك من جِهَة الْعَالم إِذا كَانَ الإحساس بهَا وَهِي دَائِرَة يكون بِحَسب الْمُقَابلَة فَإِذا تحرّك الحاس استبدل المقابلات كَمَا إِذا تحرّك المحسوس. وَقد يكون هَذَا الدوار من النّظر أَيْضا إِلَى الْأَشْيَاء الَّتِي تَدور حَتَّى ترسخ تِلْكَ الْهَيْئَة المحسوسة فِي النَّفس وَلِهَذَا قيل: إِن الأفاعيل الحسية كلهَا مُتَعَلقَة بآلات جسدانية منفعلة أَولهَا وأولاها الرّوح الحساس وَتبقى فِيهِ عَن كل محسوس مئة بعد مُفَارقَته إِذا كَانَ المحسوس قَوِيا فَإِن كل محسوس إِنَّمَا يفعل فِي الْآلَة الحاسة هَيْئَة هِيَ مِثَاله ثمَّ تثبت تِلْكَ الْهَيْئَة وَتبطل بِمِقْدَار قبُول الْآلَة وَقُوَّة المحسوس وَشرح هَذَا فِي الْعلم الطبيعي. وَكلما كَانَ الْبدن أَضْعَف كَانَ هَذَا الانفعال فِيهِ أشدّ كَمَا فِي المرضى فَإِنَّهُ قد يبلغ الْمَرِيض فِي ذَلِك مبلغا بَعيدا حَتَّى إِنَّه ليدار بِهِ بِأَدْنَى حَرَكَة مِنْهُم لأَنهم يَحْتَاجُونَ فِي الْحَرَكَة إِلَى تكلّف وَقد يكون اِلدوار إِمَّا من أَسبَاب بدنية حَاضِرَة فِي جَوْهَر الدِّمَاغ حَاصِلَة فِيهِ من بخارات حائلة فِي الْعُرُوق الَّتِي فِيهِ وَفِي العصب. وَإِمَّا من أخلاط محتقنة فِيهِ من كل جنس فيتبخر بِأَدْنَى حَرَكَة أَو حرارة فَإِذا تحركت تِلْكَ الأبخرة حركت بحركتها الرّوح النفساني الَّذِي إِنَّمَا ينضج ويتقوّم فِي تِلْكَ الْعُرُوق ثمَّ يستقرّ فِي جَوْهَر الدِّمَاغ ثمَّ يتفرّق فِي العصب إِلَى الْبدن. وَإِمَّا بِسَبَب كَثْرَة بخارات قد احتقنت فِيهِ متصعدة إِلَيْهِ من مَوَاضِع أُخْرَى ثمَّ مُسْتَقِرَّة فِيهِ بَاقِيَة عَن مرض حاد مُتَقَدم أَو مرض بَارِد فَتكون ريَاح فجّة تحركها الْقُوَّة المنضجة والمحللة. وَقد يكون لَا لحركة بخارات فِي الدِّمَاغ وَلَكِن لسوء مزاج مُخْتَلف بَغْتَة يلْزم مِنْهُ هيجان حَرَكَة مضطربة فِي الرّوح لَا لمحرّك جرماني يخالطه من بخار أَو غَيره كَمَا يعرض ذَلِك من الْحَرَكَة الْمُخْتَلفَة الْحَادِثَة من المَاء وَالنَّار إِذا اجْتمعَا وَقد يكون من محرّك للروح من خَارج مثل ضَارب للرأس أَو كاسر للقحف حَتَّى يضغط الدِّمَاغ وَالروح السَّاكِن فيتبعه حركات مُخْتَلفَة دَائِرَة متموّجة كَمَا يحدث فِي المَاء من وُقُوع ثقل عَلَيْهِ أَو وُقُوع ضرب عنيف على مَتنه فيستدير موجه وَوُقُوع مثل ذَلِك فِي الْهَوَاء والجرم الهوائي أولى لكنه لَا يحس. وَقد يكون من بخارات متصاعدة إِلَى الدِّمَاغ حَال تصاعدها وَإِن لم تكن مُتَوَلّدَة فِي جوهره وَلَا محتقنة فِيهِ قَدِيما فَإِذا تصاعدت حركت وَيكون تصاعدها إِلَيْهِ إِمَّا فِي منافذ العصب فَيكون من الْمعدة والمرارة بتوسط الْمعدة والمثانة وَالرحم والحجاب إِذا أَصَابَهَا أمراض أَو تحرّكت الأخلاط الَّتِي فِيهَا. وَأكْثر ذَلِك من الْمعدة وَبعده من الرَّحِم الْقَابِلَة للفضول وَإِمَّا فِي الأوردة والشرايين. أما الغائرة وَأما الظَّاهِرَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>