للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل أَن تستحكم وَبعد أَن يتناسوا الأول وَإِن كَانَ العاشق من الْعُقَلَاء فَإِن النَّصِيحَة والعظة لَهُ والاستهزاء بِهِ وتعنيفه والتصوير لَدَيْهِ أَن مَا بِهِ إِنَّمَا هُوَ وَسْوَسَة وَضرب من الْجُنُون مِمَّا ينفع نفعا فَإِن الْكَلَام ناجع فِي مثل هَذَا الْبَاب وَأَيْضًا تسليط الْعَجَائِز عَلَيْهِ ليبغضن المعشوق إِلَيْهِ ويذكرن مِنْهُ أحوالاً قذرة ويحكين لَهُ مِنْهُ أموراً منفراً مِنْهَا ويحكين لَهُ مِنْهُ الجفا الْكثير فَإِن هَذَا مِمَّا يسكّن كثيرا وَإِن كَانَ قد يغري آخَرين. وَمِمَّا ينفع فِي ذَلِك أَن تحاكي هَؤُلَاءِ الْعَجَائِز صُورَة المعشوق بتشبيهات قبيحة ويمثلن أَعْضَاء وَجهه بمحاكيات مبغضة ويُدِمنَ ذَلِك ويُسهبن فِيهِ فإنّ هَذَا عملهن وهنّ أحذق فِيهِ من الرِّجَال إِلَّا المخنثين فَإِن المخنثين لَهُم أَيْضا فِيهِ صَنْعَة لَا تقصر عَن صَنْعَة الْعَجَائِز. وَكَذَلِكَ يمكنهن أَن يجتهدن فِي أَن ينقلن هوى العاشق إِلَى غير ذَلِك المعشوق بتدريج ثمَّ يقطعن صنيعهن قبل تمكن الْهوى الثَّانِي. وَمن الشواغل الْمَذْكُورَة اشْتِرَاء الْجَوَارِي والإكثار من مجامعتهن والاستجداد مِنْهُنَّ والطرب مَعَهُنَّ. وَمن النَّاس من يسلّيه إمّا الطَّرب وَالسَّمَاع وَمِنْهُم من يزِيد ذَلِك فِي غرامه وَيُمكن أَن وَأما الصَّعِيد وأنوع اللّعب والكرامات المتجدّدة من السلاطين وَكَذَلِكَ تنوعّ الغموم الْعَظِيمَة وَكلهَا مسلّ وَرُبمَا احْتِيجَ أَن يدبّر هَؤُلَاءِ تَدْبِير أَصْحَاب المالنخوليا وَالمانيا والقطرب وَأَن يستفرغوا بالأيارجات الْكِبَار ويرطّبوا بِمَا ذكر من المرطبات وَذَلِكَ إِذا انتقلوا بشمائلهم وسحنة أبدانهم إِلَى مضاهاة أُولَئِكَ وَعَلَيْك أَن تشتغل بترطيب أبدانهم. الْمقَالة الْخَامِسَة أمراض دماغية آفاتها فِي أَفعَال الْحَرَكَة الإرادية قَوِيَّة فصل فِي الدُّوَار الدوار هُوَ أَن يتخيل لصَاحبه أَن الْأَشْيَاء تَدور عَلَيْهِ وَأَن دماغه وبدنه يَدُور فَلَا يملك أَن يثبت بل يسْقط وَكَثِيرًا مَا يكره الْأَصْوَات ويعرض لَهُ من تِلْقَاء نَفسه مثل مَا يعرض لمن دَار على نَفسه كثيرا بالسرعة فَلم يملك أَن يثبت قَائِما أَو قَاعِدا وَأَن يفتح بَصَره وَذَلِكَ لما يعرض للروح الَّذِي فِي بطُون دماغه وَفِي أوردته وشرايينه من تِلْقَاء نَفسه مَا يعرض لَهُ عِنْدَمَا يَدُور دوراناً مُتَّصِلا. وَالْفرق بَين الصرع والحوار أَن الدوار قد يثبت مُدَّة والصرع يكون بَغْتَة وَيسْقط صَاحبه سَاكِنا ويفيق وَأما السَدَر فَهُوَ أَن يكون الْإِنْسَان إِذا قَامَ أظلمت عينه وتهيأ للسقوط. والشديد مِنْهُ يشبه الصرع إِلَّا أَنه لَا يكون مَعَ تشنّج كَمَا يكون الصرع. وَهَذَا الدوار قد يَقع بالإنسان بِسَبَب أَنه دَار على نَفسه فدارت البخارات والأرواح فِيهِ كَمَا يَدُور الفنجان الْمُشْتَمل على مَاء مُدَّة ويسكن فَيبقى مَا فِيهِ دائراً

<<  <  ج: ص:  >  >>