وَأما الْحَكِيم الْفَاضِل أرسطوطاليس فَيرى أَن مبدأ جَمِيع هَذِه القوى هُوَ الْقلب إِلَّا أَن لظُهُور أفعالها الأوَلية هَذِه المبادىء الْمَذْكُورَة كَمَا أَن مبدأ الْحس عِنْد الْأَطِبَّاء هُوَ الدِّمَاغ ثمَّ لكل حاسة عُضْو مفرَد مِنْهُ يظْهر فعله ثمَّ إِذا فتش عَن الْوَاجِب وحقق وجد الْأَمر على مَا رَآهُ أرسطوطالس دونهم. وتوجد أقاويلهم منتزعة من مُقَدمَات مقنعة غير ضَرُورِيَّة إِنَّمَا يتبعُون فِيهَا ظَاهر الْأُمُور. لكنّ الطَّبِيب لَيْسَ عَلَيْهِ من حَيْثُ هُوَ طَبِيب أَن يتعرّف الْحق من هذَيْن الْأَمريْنِ بل ذَلِك على الفيلسوف أَو على الطبيعي. والطبيب إِذا سلم لَهُ أَن هَذِه الْأَعْضَاء الْمَذْكُورَة مبادٍ مَا لهَذِهِ القوى فَلَا عَلَيْهِ فِيمَا يحاوله من أَمر الطِّبّ كَانَت هَذِه مستفادة عَن مبدأ قبلهَا أَو لم تكن لَكِن جهل ذَلِك مِمَّا لَا يرخص فِيهِ للفيلسوف. الْفَصْل الثَّانِي القوى الطبيعية المخدومة وَأما القوى الطبيعية فَمِنْهَا خادمة وَمِنْهَا مخدومة. والمخدومة جِنْسَانِ: جنس يتصرّف فِي الْغذَاء لبَقَاء الشَّخْص وينقسم إِلَى نَوْعَيْنِ: إِلَى الغاذية والنامية. وجنس يتَصَرَّف فِي: الْغذَاء لبَقَاء النَّوْع وينقسم إِلَى نَوْعَيْنِ: إِلَى المولدة والمصوَرة فَأَما الْقُوَّة الغاذية فَهِيَ الَّتِي تحيل الْغذَاء إِلَى مشابهة المغتذي ليخلف بدل مَا يتَحَلَّل. وَأما النامية فَهِيَ الزائلة فِي أقطار الْجِسْم على التناسب الطبيعي ليبلغ تَمام النشء بِمَا يدْخل فِيهِ من الْغذَاء والغاذية تخْدم النامية والغاذية تورد الْغذَاء تَارَة مُسَاوِيا لما يتَحَلَّل وَتارَة أنقص وَتارَة أَزِيد والنمو أَزِيد والنمو لَا يكون إِلَّا بِأَن يكون الْوَارِد أَزِيد من المتحلل إِلَّا أَنه لَيْسَ كل مَا كَانَ كَذَلِك كَانَ نموًا فَإِن السّمن بعد الهزال فِي سنّ الْوُقُوف هُوَ من هَذَا الْقَبِيل وَلَيْسَ هُوَ بنمو وَإِنَّمَا النموّ مَا كَانَ على تناسب طبيعي فِي جَمِيع الأقطار ليبلغ بِهِ تَمام النشء ثمَّ بعد ذَلِك لَا نمو الْبَتَّةَ. وَإِن كَانَ سمن كَمَا أَنه لَا يكون قبل الْوُقُوف ذيول وَإِن كَانَ هزال على أَن ذَلِك أبعد وَعَن الْوَاجِب أخرج. والغادية يتم فعلهَا بِأَفْعَال جزئية ثَلَاثَة: أَحدهَا: تَحْصِيل جَوْهَر الْبدن وَهُوَ الدَّم والخلط الَّذِي هُوَ بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَة من الْفِعْل شَبيه بالعضو وَقد تحل بِهِ كَمَا يَقع فِي عِلّة تسمى أطروفيا. وَهُوَ عدم الْغذَاء. وَالثَّانِي الإلزاق وَهُوَ أَن يَجْعَل هَذَا الْحَاصِل غذَاء بِالْفِعْلِ التَّام أَي صائراً جُزْء عُضْو وَقد يخل بِهِ كَمَا فِي الإستسقاء اللحمي. وَالثَّالِث التَّشْبِيه وَهُوَ أَن يَجْعَل هَذَا الْحَاصِل عِنْدَمَا صَار جزءاَ من الْعُضْو شَبِيها بِهِ من كل جِهَة حَتَّى فِي قوامه ولونه وَقد يخل بِهِ كَمَا فِي البرص والبهق فَإِن الْبَدَل والإلزاق موجودان فيهمَا والتشبيه غير مَوْجُود وَهَذَا الْفِعْل للقوة الْمُغيرَة من القوى الغاذية وَهِي وَاحِدَة فِي الْإِنْسَان بِالْجِنْسِ أَو المبدأ الأول وتختلف
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute