للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمن أَصْنَاف الرمد مَا يتبع الجرب فِي الْعين وَيكون السَّبَب فِيهِ خدشة للعين وَهُوَ يجْرِي فِي أول الْأَمر مجْرى التكدر وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى علاجه بعد حكّ الجرب. وَأما الرمد بِالْجُمْلَةِ فَهُوَ ورم فِي الملتحمة فَمِنْهُ مَا هُوَ ورم بسيط غير مجاوز للحد فِي درور الْعُرُوق والسيلان والوجع وَمِنْه مَا هُوَ عَظِيم مجاوز للحد فِي الْعظم يَرْبُو فِيهِ الْبيَاض على الحدقة فيغطيها وَيمْنَع التغميض وَيُسمى كيموسيس وَيعرف عندنَا بالوردينج. وَكَثِيرًا مَا يعرض للصبيان بِسَبَب كَثْرَة موادهم وَضعف أَعينهم وَلَيْسَ يكون عَن مَادَّة حارة فَقَط بل وَعَن البلغمية والسوداوية وَلما كَانَ الرمد الْحَقِيقِيّ ورماً فِي الحدقة بل الملتحمة وكل ورم إِمَّا أَن يكون عَن دم أَو صفراء أَو بلغم أَو سَوْدَاء أَو ريح فَكَذَلِك الرمد لَا يَخْلُو سَببه عَن أحد هَذِه الْأَسْبَاب وَرُبمَا كَانَ الْخَلْط الموزم متولّداً فِيهَا وَرُبمَا كَانَ صائراً إِلَيْهَا من الدِّمَاغ على سَبِيل النزلة من طَرِيق الْحجاب الْخَارِج المجلّل للرأس أَو من طَرِيق الْحجاب الدَّاخِل وَبِالْجُمْلَةِ من الدِّمَاغ ونواحيه فَإِنَّهُ إِذا اجْتمع فِي الدِّمَاغ مواد كَثِيرَة وامتلاء فأقمن بِالْعينِ أَن ترمد إِلَّا أَن تكون قَوِيَّة جدا وَرُبمَا كَانَت الشرايين هِيَ الَّتِي تصمت إِلَيْهَا فضولها إِذا كَانَت الفضول تكْثر فِيهَا سَوَاء كَانَت الشرايين من الدَّاخِلَة أَو الْخَارِجَة. وَرُبمَا لم تكن الْمَادَّة صائرة إِلَيْهَا من نَاحيَة الدِّمَاغ وَالرَّأْس بل تكون صائرة إِلَيْهَا من الْأَعْضَاء الْأُخْرَى وخصوصاً إِذا كَانَت الْعين قد لحقها سوء مزاج وأضعفها وَجعلهَا قَابِلَة للآفات وَهِي الَّتِي تصب إِلَيْهَا تِلْكَ الفضول. وَمن أَصْنَاف الرمد مَا لَهُ دور ونوائب بِحَسب دور انصباب الْمَادَّة ولولدها واشتداد الوجع فِي الرمد إِمَّا لخلط لذّاع يَأْكُل الطَّبَقَات وَإِمَّا لخلط كثير ممدّد وَإِمَّا لبخار غليظ وبحسب التَّفَاوُت فِي ذَلِك يكن التَّفَاوُت فِي الْأَلَم. ومواد ذَلِك كَمَا علمت إِمَّا من التمدد وَإِمَّا من الرَّأْس نَفسه وَإِمَّا من الْعُرُوق الَّتِي تُؤدِّي إِلَى الْعين مَادَّة رَدِيئَة حارة أَو بَارِدَة وَرُبمَا كَانَ من الْعين نَفسهَا وَذَلِكَ أَن يعرض لطبقات الْعين فَسَاد مزاج لخلط محتبس فِيهَا أَو رمد طَال عَلَيْهَا فتحيل جَمِيع مَا يَأْتِيهَا من الْغذَاء إِلَى الْفساد وَمن كَانَت عينه جاحظة فَهُوَ أقبل لعظم الرمد ونتوئه لرطوبة عينه واتساع مسامها. وَقد تكْثر الدُّمُوع الْبَارِدَة فِي أَصْنَاف من الرمد لعدم الهضم وَكَثِيرًا مَا ينحلّ الرمد بالاختلاف الطبيعي. وَاعْلَم أَن رداءة الرمد بِحَسب كَيْفيَّة الْمَادَّة وعظمه بِحَسب كمية الْمَادَّة. وَاعْلَم أَن الْبِلَاد الجنوبية يكثر فِيهَا الرمد وَيَزُول بِسُرْعَة أما حُدُوثه فيهم كثيرا فلسيلان موادهم وَكَثْرَة بخاراتهم وَأما بُرْؤُهُ فيهم سَرِيعا فلتخلخل مسام أعضائهم وانطلاق طبائعهم فَإِن فاجأهم برد صَعب ومدهم لِاتِّفَاق طرُو مَانع قَابض على حَرَكَة سيالة من خلط ثَائِر. وَأما الْبِلَاد الْبَارِدَة والأزمنة الْبَارِدَة فَإِن الرمد يقل فِيهَا وَلكنه يصعب أما قلته فِيهَا فلسكون الأخلاط فِيهَا وجمودها وَأما صعوبتها فَلِأَنَّهَا إِذا حصلت فِي عُضْو لم يتَحَلَّل بِسُرْعَة لاستحصاف المجاري فمددت تمديداً عَظِيما حَتَّى يعرض أَن يتقطر مِنْهَا الصفاق وَإِذا سبق شتاء شمَالي وتلاه ربيع جنوبي مطير وصيف وَمد كَثُر الرمد وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الشتَاء دقياً جنوبياً يمْلَأ الْبدن الأخلاط ثمَّ تلاه ربيع شمَالي يحقنه. والصيف الشمالي كثير الرمد خُصُوصا بعد شتاء جنوبي وَقد يكثر أَيْضا فِي صيف كَانَ جنوبي الرّبيع جَاف الشتَاء شمالية وَقس الْأَبدَان الصلبة على الْبِلَاد الشمالية والأبدان اللينة المتخلخلة على الْبِلَاد الجنوبية وكما أَن الْبِلَاد الحارة ترمد فَكَذَلِك الْحمام الْحَار جدا إِذا دخله الْإِنْسَان أوشك أَن يرمد. وَاعْلَم أَنه إِذا كَانَ الرمد وَتغَير حَال الْعين يلْزم مَعَ العلاج الصَّوَاب والتنقية الْبَالِغَة فالسبب فِيهِ مَادَّة رَدِيئَة محتقنة فِي الْعين يفْسد الْغذَاء أَو نَوَازِل من الدِّمَاغ وَالرَّأْس على نَحْو مَا بَيناهُ فِيمَا سلف. العلامات: اعْلَم أنّ الأوجاع الَّتِي تحدث فِي الْعين مِنْهَا لذّاعة أكّالة وَمِنْهَا متمدّدة: واللذّاعة تدلّ على فَسَاد كَيْفيَّة الْمَادَّة وحدّتها والممددة تدل على كثرتها أَو على الرّيح. وأسرع الرمد مِنْهَا أسيله دمعاً وأحدّه لذعاً. وأبطؤه أيبسه. والرمص دلَالَة على النضج أَو على غلظ الْمَادَّة وَالَّذِي يسْرع من الرمص مَعَ خفَّة الْأَعْرَاض الأثقل فَهُوَ يدل على غلظ الْمَادَّة. وَالَّذِي يصحب النضج وتخفّ

<<  <  ج: ص:  >  >>