ولا قام في تاريخ المسجد ما قام في تاريخ الكنيسة من استغلالٍ لها في المجال السياسي بلغ حدَّ إقامة محاكم التفتيش لمحاكمة الضمائر والقلوب.
ومن أسفٍ أن نقرِّر أنَّ من بأيديهم أمر الفكر بل والحكم في أكثر بلادنا الإسلامية يدينون بالعلمانية ويدينون لها، ويحرصون على كل مظهر يؤيدها ويؤكدها ويبعد عنهم شبهة "الرجعية" و"التدين".
ومن أسفٍ كذلك أن ينتقل الفكر العلماني ليصير دستور العمل، ومنهج الحكم, ومنطلق الحديث، بغير حياء ولا خجل ممن يحملون أسماء إسلامية، وأن يصير العلمانيون من رجال الفكر والحكم هم "النجوم" و"الأبطال" الذين يجري نسج قصص بطولتهم، ويسلّط الضوء عليهم، ليكونوا قدوة للجيل القائم من الشباب, ومن بعده من الأجيال القادمة.
ومن هنا ندرك لم ارتفع ذكر "مصطفى كمال أتاتورك" حتى صار البعض يعلن حتى اليوم أنه مثله الأعلى١.
ولم ارتفع ذكر "طه حسين" حتى صار في نظر البعض فلتةً لم يَجُدْ الزمن بمثلها, رغم فكره العلماني الواضح, والمتأثِّر بأساتذته من اليهود والماسون, ورغم وجود من كان يستحق لقب عميد الأدب العربي في زمنه من أمثال: مصطفى صادق الرافعي وعباس محمود العقاد!
ولم ارتفع ذكر خلفاء مصطفى كمال أتاتورك في بلاد إسلامية أخرى، رغم خيانتهم الواضحة، بل رغم خياناتهم الثابتة التي لا تقل عن خيانة مصطفى كمال أتاتورك!
١ في حديث لإيجال آلون في ٢٢ نيسان ١٩٦٩ إلى جريدة لوموند الفرنسية: "إن الطريق الوحيد أمام "٠٠٠" ليصبح أتاتورك العالم العربي وأمام مصر لتسير في طريق التحرر والاشتراكية، هو التخلِّي عن محاولة القضاء على إسرائيل، والإقدام على إبرام معاهدة صلح من الحكومة الإسرائيلية ... ".