أتوني زبر الحديد، ولقد كان يوم حريقها يوما عبوسا قمطريرا، أصبح المسلمون فيه من الخفية وقد رأوا سلاسل وأغلالا وسعيرا، هذا وكلما اصليت نار الحريق وشبت نار الحرب، ذكرت ما أشار به مولانا على المملوك من الإقامة بمصر فأنشدت من شدة الكرب:
والدهر سلمٌ كيفما حاولته ... لا مثل دهري في دمشق محاربا
يا مولانا لقد لبست دمشق في هذا المأتم السواد، وطبخت قلوب أهلها كما تقدم على نارين وسلقوا من الاسنة بألسنة حداد، ولقد نشفت عيونهم من الحريق واستسقوا فلم ينشقوا رائحة الغادية، وكم رؤي في ذلك اليوم وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلي نارا حامية، وكم رجل تلا عند لهيب بيته تبت يدا أبي لهب، وخرج هاربا وامرأته حمالة الحطب، وشك الناس من شدة الوهج وهم في الشتاء وصاروا من هذا الأمر يتعجبون، فقال لهم لسان النار أتعجبون من الوهج والحريق وأنتم في كانون، ولعمري لو عاش ابن نباتة ورأى هذه الحال، وما تم على أهل دمشق في كانون لترك رثاء ولده عبد الرحيم وقال:
يا لهف قلبي على وادي دمشق ويا ... حُزني ويا شجوي ويا دائي