بغلام يسقيه وانا نائم فينغص عليَّ نومي فرأيته قد قام يمشي على أطراف أصابعهِ حتى أتى موضع الماء وبينه وبين المكان الذي فيه الكيزان نحو من ثلثمائة خطوة فأخذ منها كوزاً فشرب ثم رجع على أطراف أصابعه حتى قرب من الفراش الذي أنا عليه فخطا خطوات خائفاً لئلا ينبهني حتى صار إلى فراشه ثم رأيته آخر الليل قام يبول وكان يقوم في أول الليل وآخره فقعد طويلاً يحاول أن أتحرك فيصيح بالغلام فلما تحركت وثب قائماً وصاح يا غلام وتأهب للصلاة ثم جاءني فقال لي كيف أصبحت يا أبا محمد وكيف كان مبيتك قلت خير مبيت جعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين قد خصك الله تعالى بأخلاق الأنبياء وأحب لك سيرتهم فهناك الله تعالى بهذه النعمة وأتمها عليك فأمر لي بألف دينار فأخذتها وأنصرفت.
قال وبت عنده ذات ليلة فانتبه وقد عرض له السعال حتى غلبه فسعل وأكب على الأرض لئلا يعلو صوته فانتبه.
وكنت معه يوماً في بستان ندور فيه فجعلنا نمر بالريحان فيأخذ منه الطاقتين ويقول لقيِّم البستان أصلح هذا الحوض ولا تغرس في هذا الحوض شيئاً من البقول قال يحيى ومشينا في البستان من أوله إلى آخره وكنت أنا ما يلي الشمس والمأمون مما يلي الظل فكان يجذبني أن أتحول أنا في الظل ويكون هو في الشمس فامتنع من ذلك حتى بلغنا آخر البستان فلما رجعنا قال يا يحيى والله لتكونن في مكاني ولأكونن في مكانك حتى آخذ نصيبي من الشمس كما أخذت نصيبك وتأخذ نصيبك من الظل فقلت والله يا أمير المؤمنين لو قدرت أن أقيك يوم الهول بنفسي لفعلت فلم يزل بي حتى تحولت إلى الظل وتحول هو إلى الشمس ووضع يده على عاتقي وقال بحياتي عليك إلا وضعت يدك على عاتقي مثل ما فعلت أنا فإنه لا خير في صحبة من لا ينصف.
[أمنية أحمقين]
وحكي أن أحمقين أصطحبا في طريق فقال أحدهما تعالَ نتمنَّ على الله فإن الطريق تقطع بالحديث فقال أحدهما أنا أتمنى قطائع غنم أنتفع بلبنها ولحمها وصوفها وقال الآخر أنا أتمنى قطائع ذئاب أرسلها على غنمك حتى لا تترك منها شيئاً قال ويحك أهذا من حق الصحبة وحرمة العشرة فتصايحا واشتدت الخصومة بينهما حتى تماسكا بالأطواق ثم تراضيا على أن أول من يطلع عليهما يكون حكماً بينهما فطلع عليهما شيخ بحمار عليه زقان من عسل فحدثاه بحديثهما فنزل بالزقين وفتحهما حتى سال العسل على التراب ثم قال صب الله دمي مثل هذا العسل إن لم تكونا أحمقين.
[بكاء زين العابدين]
وقال الأصمعي بينما أنا أطوف بالبيت ذات ليلة إذ رأيت شاباً متعلقاً بأستار الكعبة