إن كان جودك لا يرجوه ذو سفهٍ ... فمن يجود على العاصين بالكرم
ثم بكى بكاء شديداً وأنشد يقول:
الا أيها المقصود في كلِّ حاجةٍ ... شكوت إليك الضرَّ فأرحم شكايتي
ألا يا رجائي أنت تكشف كربتي ... فهبّ لي ذنوبي كلّها وأقضِ حاجتي
أتيت بأعمالٍ قباحٍ رديئةٍ ... وما في الورى عبدٌ جنى كجنايتي
أتحرقني بالنار يا غاية المنى ... فأين رجائي ثم أين مخافتي
ثم سقط على الأرض مغشياً عليه فدنوت منه فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين فرفعت رأسه في حجري وبكيت فقطرت دمعة من دموعي على خده ففتح عينيه وقال من هذا الذي يهجم علينا قلت عبدك الأصمعي سيدي ما هذا البكاء والجزع وأنت من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة أليس الله تعالى يقول: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً قال: هيهات هيهات يا أصمعي إن الله خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبداً حبشياً وخلق النار لمن عصاه ولو كان حراً قرشياً أليس الله تعالى يقول: فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنَّم خالدون انتهى.
وكان أبو العباس السفاح يعجبه السمر ومنازعة الرجال بعضهم بعضاً فحضر عنده ذات ليلة إبراهيم بن مخرمة الكندي وخالد بن صفوان بن الأهيم فخاضوا في الحديث تذاكروا مضر واليمن فقال إبراهيم بن مخرمة يا أمير المؤمنين أن أهل اليمن هم العرب الذي دانت لهم الدنيا ولا يزالوا ملوكاً ورثوا الملك كابرا عن كابر وآخراً من أول منهم النعمان والمنذر ومنهم عياض صاحب البحرين ومنهم من كان يأخذ كل سفينة غصباً وليس من شيء له خطر إلا إليهم ينسب إن سئلوا أعطوا وإن نزل بهم ضيف أقروه فهم العرب العاربة وغيرهم المتعربة فقال أبو العباس ما أظن التميمي رضي بقولك ثم قال ما تقول أنت يا خالد قال إن أذن لي أمير المؤمنين في الكلام تكلمت قال تكلم ولا تهب أحدا قال أخطأ المقتحم بغير علم ونطق بغير صواب وكيف يكون ذلك لقوم ليس لهم ألسن فصيحة ولا لغة صحيحة نزل بها كتاب ولا جاءت بها سنة يفتخرون علينا بالنعمان والمنذر ونفتخر عليهم بخير الأنام