أتعجب وأسأل الله العافية إذ دخل علينا شيخ من أهل مرو فنظر إلى العود فقال للرجل يا فلان لقد فررت من شيء ووقعت فيما هو شر منه أما علمت أن الريح والشمس يأخذان من سائر الأشاء وينشفان هذا العود لم لا أتخذت مكان هذا العود ابرة من حديد فإن الحديد أملس وهو مع ذلك غير نشاف والعود أيضاً ربما يتعلق به شعرة من قطن الفتيلة فينقصها فقال له الرجل الخراساني أرشدك الله ونفع بك فلقد كنت في ذلك من المسرفين.
وقال الهيثم بن عدي نزل على أبي حفصة الشاعر رجل من اليمامة فأخلى له المنزل ثم هرب مخافة أن يلزمه قراه في هذه الليلة فخرج الضيف واشترى له ما احتاج إليه ثم رجع وكتب له:
يا أيهّا الخارج من بيته ... وهارباً من شدّة الخوفِ
ضيفك قد جاء بزادٍ له ... فارجعْ وكن ضيفاً على الضيف
وكان أبو العتاهية ومروان ابن أبي حفصة بخيلين يضرب ببخلهما المثل قال مروان ما فرحت بشيء أشد مما فرحت بمائة ألف درهم وهبها إليَّ المهدي فوزنتها فرجحت درهما، واشترى لحماً بدرهم فلما وضعه في القدر دعاه صديقه فرد اللحم على القصاب بنقصان دانقين فجعل القصاب ينادي على اللحم ويقول هذا لحم مروان. واجتاز يوما بأعرابية فأضافته فقال إن وهب لي أمير المؤمنين مائة ألف درهم وهبت لك درهما فوهبه سبعين ألف درهم فوهبها أربعة دوانق.
ومن الموصوفين بالبخل آلا مرو يقال أن من عادتهم إذا ترافقوا في سفر أن يشتري كل واحد منهم قطعة لحم ويشبكها في خيط ويجمعون اللحم كله في قدر ويمسك كل واحد منهم طرف خيطه فإذا استوى جرَّ كل منهم خيطه وأكل لحمه وتقاسموا المرق.
وكان عمر بن يزيد الأسدي بخيلاً جداً أصابه القولنج في بطنه فحقنه الطبيب بدهن كثير فأنحل ما في بطنه في الطست فقال لغلامه اجمع الذي نزل من الحقنة واسرج به.
وكان المنصور شديد البخل جداً مر به مسلم الحادي في طريقه إلى الحج فحدا له يوماً بقول الشاعر:
أغرُّ بين الحاجبين نوره ... يزينه حياؤه وخيرُهُ
ومسكه يشوبه كافوره ... إذا تغدّى رفعت ستوره
فطرب حتى ضرب برجله المحمل وقال يا ربيع أعطه نصف درهم فقال نصف درهم يا أمير المؤمنين والله لقد حدوت لهشام فأمر لي بثلاثين ألف درهم فقال تأخذ من بيت مال المسلمين ثلاثين ألف درهم يا ربيع: وكِّل به من يستخلص منه هذا المال قال الربيع فما زلت