دينه ثم يحتاج إلى القرض أيضاً وقد أمرت لك بخمسين ألفا أخرى قال فقبضتها وأنصرفت فجاءني الأعمى فدفعت إليه الألفي دينار وقلت له قد رزقك الله تعالى بكرمه وكافأك على إحسان أبيك وكافأني على أسداء المعروف إليك ثم أعطيته شيئاً آخر من مالي فأخذه وانصرف والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن ذلك ما حكاه القاضي يحيى بن أكثم رحمة الله تعالى عليه قال دخلت يوماً على الخليفة هارون الرشيد ولد المهدي وهو مطرق مفكر فقال لي أتعرف قائل هذا البيت:
الخير أبقى وإن طال الزمان به ... والشرُّ أخبثُ ما أوعيتَ من زدا
فقلت يا أمير المؤمنين إن هذا البيت شأنا مع عبيد بن الأبرص فقال عليَّ بعبيد فلما حضر بين يديه قال له أخبرني عن قضية هذا البيت فقال يا أمير المؤمنين كنت في بعض السنين حاجاً فلما توسطت البادية في يوم شديد الحر سمعت ضجة عظيمة في القافلة ألحقت أولها بآخرها فسألت عن القصة فقال لي رجل من القوم تقدم ترَ ما بالناس فتقدمت إلى أول القافلة فإذا أنا بشجاع أسود فأغر فاه كالجذع وهو يخور كما يخور الثور ويرغو كرغاء البعير فهالني أمره وبقيت لا أهتدي إلى ما أصنع في أمره فعدلنا عن طريقه إلى ناحية أخرى فعارضنا ثانياً فعلمت أنه لسبب ولم يجسر أحد من القوم أن يقربه فقلت أفدي هذا العالم بنفسي وأتقرب إلى الله تعالى بخلاص هذه القافلة من هذا فأخذت قربة من الماء تقلدتها وسللت سيفي وتقدمت فلما رآني قربت منه سكن وبقيت متوقعاً منه وثبة يبتلعني فيها فلما رأى القربة فتح فاه فجعلت فم القربة في فيه وصببت الماء كما يصب في الإناء فلما فرغت القربة تسيب في الرمل ومضى فتعجبت من تعرضه لنا وإنصرافه عنا من غير سوء لحقنا منه ومضينا لحجنا ثم عدنا في طريقنا ذلك وحططنا في منزلتنا تلك في ليلة مظلمة مدلهمة فأخذت شيئاً من الماء وعدلت إلى ناحية عن الطريق فقضيت حاجتي ثم توضأت وصليت وجلست أذكر الله تعالى فأخذتني عيني فنمت مكاني فلما استيقظت من النوم لم أجد للقافلة حساً وقد ارتحلوا وبقيت منفرداً لم أرَ أحداً ولم أهتدِ إلى ما أفعله وأخذتني حيرة وجعلت أضطرب فإذا بصوت هاتف أسمع صوته ولا أرى شخصه يقول:
يا أيها الشخص المضلّ مركبه ... ما عنده من ذي رشادٍ يصحُبُه